اللحاظين في آن واحد (١)؟ وهذا البحث وإن كان لا يترتّب عليه ثمرة ولا يفيد في المقام إلّا أنّه بحسب الكبرى الكلّيّة له فوائد مهمّة ، فالأولى التكلّم فيه كلّيّا.
فنقول : إنّ الدليل الدالّ على ثبوت شيء لشيء تارة يكون إحراز موضوعه كافيا في شمول الحكم له ، كما في «لا تشرب الخمر» فإنّ مجرّد إحراز كون المائع الخارجي خمرا كاف في ثبوت الحرمة وشمول دليلها له بلا احتياج إلى إحراز أمر آخر ، وفي هذا الفرض لا ريب في قيام الأمارة مقام القطع ، لشمول دليل اعتبار الأمارة لهذا المورد بواسطة أنّ نفس هذا الإحراز ، له أثر شرعي ، فلو أخبرت البيّنة بخمريّة مائع في الخارج ، فيشمل دليل اعتبار البيّنة وحجّيّتها له ، فيكون إخبار البيّنة إحرازا للخمر تعبّدا ، فيقوم مقام القطع.
وأخرى لا يكون كذلك ، بل يحتاج شمول الدليل له وترتّب الحكم عليه إلى عناية زائدة ، كما في دليل عدم انفعال الماء الكرّ ، فإنّ حكم عدم الانفعال مترتّب على المائع الّذي يكون ماء وكرّا معا ، وفي هذه الصورة حيث إنّ إحراز كون المائع كرّا بمجرّده لا يكفي في ثبوت حكم عدم الانفعال له ، بل لا بدّ من إحراز أمر آخر ، وهو كونه ماء ، فلو أخبرت البيّنة بكون المائع الخارجي كرّا ، لا يمكن شمول دليل اعتبار الأمارة وحجّيّة البيّنة لهذا المورد إلّا أن يحرز مائيّته أيضا بالبيّنة في عرض ذاك الإحراز ، أو بالوجدان ، إذ مورد دليل الاعتبار ما يكون للمؤدّى أثر شرعيّ عمليّ ، وما لا يترتّب عليه أثر كذلك أصلا لا معنى لتعبّد الشارع به ، والمفروض أنّ الأثر لا يترتّب إلّا على المائع الكرّ الّذي يكون ماء لا على المائع الكرّ ، فشمول دليل الأمارة للإخبار بالكرّيّة متوقّف على كون الماء ماء ، فلو كان مائيّة المائع أيضا متوقّفة عليه ـ أي : على الإخبار بالكرّيّة ـ ولم تثبت بالوجدان أو ببيّنة أخرى في عرض بيّنة الكرّيّة ، الدار.
__________________
(١) كفاية الأصول : ٣٠٤.