الواقع ولا يرفع الشارع شكّه كما في الأمارات والاستصحاب على وجه ، حيث إنّ من قام عنده الأمارة يرى الواقع ومحرز إيّاه تعبّدا ، ومن كان متيقّنا ثم شكّ كان محرزا للواقع من حيث الجري العملي بحكم الشارع «لا تنقض اليقين بالشكّ» بخلاف دليل أصل البراءة ، فإنّ لسانه لسان جعل الوظيفة في ظرف الشكّ لا إحراز الواقع ، وما لا يكون فيه جهة الإحراز بوجه من الوجوه كيف يقوم مقام المحرز الوجداني!؟
وهكذا الاحتياط الشرعي في الشبهات البدويّة ـ على مذهب الأخباريّين ـ وفيما ثبت أهمّيّته من الشارع ـ كالأعراض والنفوس ـ عبارة عن حكم الشرع حفظا للواقع ومراعاة لعدم فوات المصلحة الواقعيّة بالاحتياط وبعدم الاقتحام في الشبهة ، لا أنّه جعل المكلّف محرزا للواقع والواقع منجّزا عليه بحيث يعاقبه على ترك الواقع ، فإنّه مستحيل ، لأنّه عقاب بلا بيان ومؤاخذة بلا برهان ، وقد عرفت أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان غير قابلة للتخصيص ، فلا يمكن للمولى أن يعاقب عبده على تكليف لم يصل إليه ولم يبيّن له.
نعم ، للمولى أن يعاقب عبده على مخالفته أمره بالاحتياط لو وقع ـ بمخالفته تكليف الاحتياط ـ في الحرام ، وإلّا فلا يترتّب عليه إلّا التجرّي.
بقي شيء وهو : أنّا لو أغمضنا عن لزوم التصويب من تنزيل المؤدّى منزلة الواقع وثبوت حكم الواقع للمؤدّى هل يمكن قيام الأمارة على هذا القول ـ أي : القول بكون المجعول في باب الأمارات هو إثبات الحكم الواقعي للمؤدّى وتنزيل المؤدّى منزلة الواقع ـ مقام القطع الطريقي المأخوذ في الموضوع ، أو لا يمكن ، كما أفاده صاحب الكفاية من أنّه مستلزم للجمع بين