أمّا الطرف الأوّل : فليس فيه كثير إشكال ، ضرورة أنّ تعميم الحكم للموارد المشتبهة ـ التي لا يمكن للمكلّف تشخيصها حفظا للمصالح الواقعيّة ـ لا مانع منه ، فإنّ المصلحة النوعيّة والحكمة الإلهية تقتضيان إيجاب المباح أو تحريم المشتبه بين الواجبات أو المحرّمات لأجل الوصول إلى تلك المصالح الواقعيّة وعدم الوقوع في تلك المفاسد الواقعيّة.
وهذا في العرف : كما إذا علم شخص بأنّ أحدا يريد قتله ويعلم أنّ عبيده لا يعرفونه ، فمقتضى الحكمة أن يأمر عبيده بأن لا يدخلون عليه أحدا من الناس حفظا لنفسه. وفي الشرع : كما في وجوب العدّة لعدم اختلاط الأنساب ، فإنّ الشارع أوجب العدّة على كلّ مرأة ولو مع العلم بعدم الاختلاط ، لئلا يقع المكلّفون في الاشتباه من جهة جهلهم بخصوصيّات الموارد ، ويفوت هذا الغرض المهمّ ولو في مورد.
وأمّا الطرف الآخر : فإمّا أن يفرض في حال انسداد باب العلم في جميع الأحكام أو معظمها ، فليس التعبّد بالأمارة إيقاعا في المفسدة أو تفويتا للمصلحة ، بل المكلّف من جهة جهله بالواقع وعدم تمكّنه من العلم به يقع في المفسدة ويفوت منه المصلحة على كلّ حال تعبّده الشارع بالأمارة أو لا ، فإذا رأى الشارع أنّ العمل بالأمارة موجب لإدراك المصالح الواقعيّة أزيد من العمل بغيرها ، فلا مانع من التعبّد بها.
نعم ، لو كان الفعل في الواقع واجبا وقامت الأمارة على حرمته أو كان حراما وقامت الأمارة على وجوبه ، فالتعبّد بالأمارة موجب للإيقاع في المفسدة وتفويت المصلحة لكنّه لا مانع منه إذا كان العمل بالأمارة سببا للوصول إلى أغراض المولى أكثر من العمل بغيرها ، ولا ريب في حسن تفويت مصلحة أو مصلحتين أو الوقوع في مفسدة أو مفسدتين لأجل إدراك المصالح الكثيرة وعدم