وذهب بعضهم إلى الثاني ، وأن التعدد إنما هو في الأمر [١] ، أو في جهاته. وبعضهم إلى أنه يتعدد بالنذر ولا يتعدد بغيره ، وفي النذر أيضاً لا مطلقاً بل في بعض الصور ، مثلا إذا نذر أن يتوضأ لقراءة القرآن ، ونذر أن يتوضأ لدخول المسجد ، فحينئذ يتعدد [٢] ، ولا يغني أحدهما عن الآخر ، فاذا لم ينو شيئاً منهما لم يقع امتثال لأحدهما [٣] ، ولا أداؤه ، وإن نوى أحدهما المعين
______________________________________________________
بل يسقط يوم ويبقى آخر ، لأن التعيين المذكور لما لم يكن داخلا في المأمور به كان المأتي به صالحاً للفردية لكل منهما ، ويخرج عن ذلك بالتعيين ، بل يسقط أحدهما ويبقى الآخر.
ويوضح ما ذكرنا قياس المقام بالإرادة التكوينية ، فإن من أراد أن يصوم يوماً إذا جاء زيد ، وأراد أن يصوم يوماً آخر إن جاء عمرو ، فجاء زيد وعمرو ، فإنه تحصل له إرادة صوم يومين بلا ميز بينهما إلا بمحض الاثنينية ، تكون تلك الإرادة علة لصوم يوم ثمَّ آخر ، ولا تكون علة لصوم يوم مجيء زيد في قبال يوم مجيء عمرو ، لأنها إنما تعلقت بصوم يوم غير مقيد بكونه لمجيء زيد أو لمجيء عمرو ، لأن خصوصية السبب لا تقتضي خصوصية في المراد.
[١] قد تقدم بعض الكلام في ذلك في فصل الغايات.
[٢] لأن المنذور بالنذر الثاني غير المنذور بالنذر الأول بحسب قصد الناذر فيرجع النذر إلى نذر وضوءين. ويشكل بأن الغايات إذا لم تشرع التعدد فالنذر لا يصلح لتشريعه ، لوجوب مشروعية المنذور مع قطع النظر عن النذر.
[٣] لأن المنذور هو الوضوء المأتي به بقصد الغاية المعينة ، فإذا لم يقصدها لم يأت بالمنذور.