العاصين ، وإن قلتم إنه لم يكن ما أراد الواحد ذو الجلال ، فقد أقررتم بتقديم إرادة الله على كل حال.
قلنا له : إن إرادة الله في فعله ، هي خلاف إرادته في فعل غيره ، وكلامنا فإنما هو في فعل الرحمن ، لا فيمن خلق وذرأ من الإنسان ، فإرادته فيما خلق (٩٦) ، هو إيجاده له على ما تقدم في أول كلامنا من القول فيه ، وإرادته في أفعال عباده فإنما هي إرادة نهي وأمر ، لا إرادة حتم وجبر ، أراد منهم الطاعة غير مكره لهم عليها ، كما أراد أن لا يكون منهم المعصية غير حائل بينهم وبينها ، بل بالطوع منهم أراد كونها ، لا بالإكراه لهم والقسر عليها والإجبار ، فأمرهم ونهاهم ، وبصرهم وهداهم ، ومكنهم من العملين ، وهداهم في ذلك النجدين ، ثم قال سبحانه : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [القصص : ٨٤] ثم قال جل جلاله ، عن أن يحويه قول أو يناله : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) [الكهف : ٢٩] فكانت إرادته في أفعالهم الأمر لهم بالمرضي من أعمالهم ، فنفذت إرادته في الأمر لهم كما أراد ، ولو أراد أن يجبرهم (٩٧) لجبرهم ، ولو جبرهم على صنعهم وفعالهم لكان العامل لما يعملونه دونهم من أعمالهم ، ولو كان العامل لما يعملونه دونهم لكان الآمر لنفسه دونهم بما فعلوه ، ولكان هو المشرك بنفسه لا هم ، ولكان العابد لأصنامهم دونهم ، لو كان على ما يقولون ، إذ هو الصانع لكل ما صنعوا ، والممضي دونهم لكل ما أمضوا ، ولكانوا هم من كل مذموم أبرياء ، وفي حكم الحق مطيعين أتقياء ، وعند الله للثواب مستاهلين سعداء ، إذ هم فيما صرفهم ربهم متصرفون ، وفي قضائه ومشيته ماضون ، فتعالى الله الرحمن الرحيم ، عمّا يقول (٩٨) فيه حزب الشيطان الرجيم.
__________________
(٩٦) في (ب) : يخلق.
(٩٧) في (ب) زيادة : على طاعته.
(٩٨) في (ب) : في : يقولون.