التّبعيض ، ومتى وقع التّبعيض وقع التشبيه ، فإذا وقع التشبيه ، زالت الربوبيّة بلا شك عن ذلك الشيء المبعض المحدد المجزّأ ؛ لأن الخالق على خلاف المخلوقين ، ومن وصف بصفة المربوبين فقد أزيل عنه أن يكون جاعلا ، وصحّ أنه من المخلوقين ، وبطلت وبعدت منه الوحدانية ، وزالت من صفاته بغير ما لبس الأزلية ، والله جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله ، فهو الواحد الأزلي ، والخالق المحدث الباري ، الذي ليس له ضد ولا شبيه ولا مثل ولا عديل ، وهو الله الواحد الفرد الصمد الجليل.
وإن كنت تريد بقولك أين الرحمن؟ تقول : أين هو مدبر فاعل لكل شأن؟ فهو كما ذكر عن نفسه بكل مكان مدبر فاعل ، يفعل في كل يوم ما يريد ، يميت ويحيي ، ويخلق ويرزق ، وهو الواحد الحميد ، العالم لا يخفى عليه مختف ، بل علمه به كعلمه بالظاهر المتجلي ، فهو سبحانه كذلك ، وهذا جوابنا ، وقولنا لمن سأل عن ذلك ، لا ما يذهب إليه المشبهون لربهم ، المتكمهون (١٠٤) في بحور ضلالهم ، والعابدون لغير إلههم ، إذ هم يعبدون الذي هم يذكرون ، ويصفون وينعتون ، ويحددون ويبعضون ، والله الخالق الباري ، فخلاف ما يصفون ، فلذلك قلنا إنهم غيره يعبدون ، فالجاهلون يعبدون صورة وجسما ، والله فهو المجسّم المصوّر لكل جسم ، ومصوّر المصوّر فخلاف المصوّر ، لأن المصوّر فاعل ، والمصوّر مفعول به ، والفاعل فليس بالمفعول ، لأن الفاعل قبل مفعوله ، فقد بان أن المشبهين يعبدون غير رب العالمين ، فقد كفروا بالخالق ، وعبدوا المخلوق ، فبعدا لأصحاب السعير ، والحمد لله الواحد القدير.
__________________
(١٠٤) قال في القاموس : والمكمه العينين ك (معظم) : من لم تنفتح عيناه ، والكامه من يركب رأسه ، ولا يدري أين يتوجه كالمتكمه منه باللفظ ، وأيضا منه الكمه : محركة العمى يولد به الإنسان منه. ا ه من هامش (أ).