قيل له : إن الإرادة تخرج على ثلاثة معان وكلهن معروف في اللغة جار :
فأولهن : إرادة الله لإيجاد المخلوقين ، وفتق رتق السماوات والأرضين ، فلما أراد ذلك كان بلا كلفة ولا عون أعوان ، إذا أراد شيئا أوجده ، وإذا أوجده فقد أراده ، فمشيئته إرادته ، وإرادته مشيئته ، ليس له مثل ولا نظير ، وهو الواحد اللطيف الخبير.
والثاني : فهو إرادة الأمر وهو قوله سبحانه : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [يس : ٨٢] ومن ذلك قوله : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة : ١٨٥] يقول سبحانه : يأمركم بما فيه التسهيل لكم ، والتيسير عليكم ، وكذلك كلما أراد ذو الجلال ، وذو القدرة والمحال من عباده من جميع الأفعال ، فإنما هو أمر ونهي من رب العالمين ، يأمر به وينهى عنه جميع المخلوقين. فأما قوله سبحانه : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس : ٨٢] فليس يتوهم أن ثمة مخاطبة من الله للعدم ، وإنما ذلك منه ـ سبحانه وتعالى عن كل شأن شأنه ـ إخبار عن نفاذ قدرته ، وإمضاء ما أراد من مشيئته ، فتعالى من ليس له شبيه ولا عديل ، ولا ضد ولا مثيل ، وهو الله الواحد الجليل ، ذو القدرة والسلطان كما قال سبحانه في وحيه وذكر تعالى عن نفسه فقال فيما نزل من الفرقان ، وبيّن لعباده من التبيان : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى : ١٢] ، الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء ، وجعل الأرض قرارا ، وجعل خلالها أنهارا ، مجيب المضطرين ، وكاشف السوء عن المكروبين ، والمهلك لمن شاء من العالمين ، والهادي في الظلمات ، والرازق في كل الحالات ، والباري لخلق المخلوقين ، والمعيد لهم يوم الدين ، والرازق لجميع عباده المرزوقين. وفيما ذكرنا من منّته على خلقه ما يقول سبحانه في محكم تنزيله ووحيه ، ويحتج به على عباده (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ تَعالَى اللهُ