العظيم. وكيف يكون سبحانه كذلك ، أو يجوز المقال لمن قال فيه بذلك ، وقد يسمع قول ذي الجلال والقدرة والمحال : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى : ١١] ، وقوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص.] ، والكفؤ فهو المثل والنظير ، في الصغير كان أو في الكبير ، فلو كان ذا جوارح لكان ذا أعضاء ، ولو كان ذا أعضاء لكان جزءا فيه أجزاء ، ولو كان أجزاء لكان بلا شك جسما ، ولو كان جسما لجرت عليه الحوادث والأزمان ، ولأشبه ما خلق من الإنسان ، ولو كان كذلك لم يكن بخالق ولكان مخلوقا ؛ لأن كل جسم لا بدّ له من جاعل مجسّم ، إذ لا بد لكل مجعول من جاعل ، كما لا بد لكل مفعول من فاعل ، ولكل مصنوع من صانع ، ولكل مقطوع من قاطع ، فسبحان من ليس كذلك ولا على شيء من ذلك ، لا تحيط به الظنون ، ولا يصفه الواصفون ، إلا بما وصف به نفسه من قوله هو ، وأنه كما قال سبحانه في آخر الحشر : (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الحشر : ٢٢ : ٢٤].
وكذلك وصفه أنبياؤه ورسله لمن حاربه وأنكره ، وجحد نعمته وعانده ، من ذلك قول الملعون اللعين فرعون للنبيين موسى وهارون صلى الله عليهما حين دعواه إلى الإيمان بربه ، والإقرار بوحدانيته ، فقال مجيبا لهما مكذبا لقولهما : (فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى) [طه : ٤٩] ، فقال موسى صلى الله عليه : (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) [طه : ٥٠] ، فقال فرعون العمي الأعمى : (فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) [طه : ٥١] ، فقال موسى : (عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) [طه : ٥٢ : ٥٤] ، ومثل هذا شيء (١٢٨) كثير غير قليل ، فيما نزل الله من واضح التنزيل ، من دلالة أنبيائه عليه ، وذكرهم له بما نسبوا من فعله إليه ، من ذلك قول هود صلى الله عليه لمن أرسل من الخلق إليه ، حين يقول : (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) [الشعراء : ١٣٣]. ومن ذلك قول شعيب صلى الله عليه
__________________
(١٢٨) سقط لفظ (شيء) من (ب) و (ج).