فأولهنّ : أن يكون معنى سميع هو عليم ، والحجة في ذلك قول الرحمن الرحيم : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) [الزخرف : ٨٠] ، والسر هو ما انطوت عليه الضمائر ولم يبد ، فذلك أسر السرائر ، والنجوى هو ما يتسار به ويخفيه المتناجون من الكلام والمحاورة في ما يخفون ويكتمون. والسر الذي في القلوب فلن يسمع ؛ لأنه مستجن لم يبن فيشرح ويسمع ، وإنما يسمع ما ترجمه اللسان ، وباح به ضمير الإنسان ، وإنما أراد ذو الجلال بما قال في ذلك من المقال التوبيخ لهم والإخزاء ، والتوقيف على ما يأتون به من الخطأ ، إذ يتوهمون أن الله يخفى عليه خافية ، سرا كانت أو علانية ، فقال : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) [الزخرف : ٨٠] يقول : لا نعلم ونحيط (١٢٧) من أمرهم ما يكتمونه من سرهم ، ويكنونه في غيابات ضمائرهم.
والمعنى الثاني : في اسم الواحد الباري أن يكون السميع هو المجيب للداعين ، ممن دعاه من عباده المؤمنين ، والحجة في ذلك فما حكى الواحد الكريم عن نبيئه زكريا وخليله إبراهيم ، حين يقول زكريا : (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) [آل عمران : ٣٨] ، وقول خليله إبراهيم الأواه الحليم : (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) [ابراهيم : ٣٩] ، يعني عليهالسلام : إن ربي لمجيب لمن يشاء من الأنام ، وفي ذلك ما تقول العرب لمن سأل من الله أو طلب : (سمع الله دعاك) ، أي : أجاب طلبتك.
والوجه الثالث : قول القائل من الراكعين المصلين : سمع الله لمن حمده ، ومعناه أي : قبل الله ممن حمده ، وأثاب على شكره من شكره.
فهذه الثلاثة الوجوه اللواتي يجوز أن يوصف بهن الرحمن وهن فواضحات عند من عرف العربية والبيان.
والوجه الرابع : فلن يجوز على الواحد الجليل ، في شيء من الأقاويل ، وهو موجود في المخلوقين ، متعال عنه رب العالمين ، وهو الإصغاء بالأذان والإنصات لجولان دواخل الأصوات ، ومستقر مفهوم القالات ، فتعالى عن ذلك المهيمن الكريم ، المتقدس الواحد الفرد
__________________
(١٢٧) في (ب) و (ج) : ونحفظ.