كذلك فيهن؟ أم لسرعة تحول وانتقال منهن إلى غيرهن ومن غيرهن إليهن؟
قيل له : ليس إلهنا سبحانه كذلك ، ولا يقال فيه بذلك ، وهو سبحانه متعال عن الانتقال ، متقدس عن الزوال ، وعن التصوير في صورة الأجسام ، تعالى عن ذلك ذو الجلال والإكرام ، ولكن معنى قولنا : (إنه فيهنّ) هو أنه مدبر لهن ، قاهر لكل ما فيهنّ ، مالك لأمرهنّ ، ولأمر ما بينهنّ وما تحتهنّ ، لا أنه مستجن بهنّ ولا داخل كدخول الأشياء فيهنّ.
فإن قال السائل المتعنت : فما هو في ذاته عندكم ، إذ (١٣١) كان كذلك في قولكم وما تعتقدون في دينكم أجسم هو أم عرض؟
قيل له : تعالى عن ذلك ربنا علوا كبيرا ، لا نعتقد شيئا من ذلك ، وليس ربنا سبحانه كذلك ، لأن الجسم محدود مبعض ، والله فليس كذلك. والعرض لا قوام له إلا بغيره والله فهو المقيم لكل شيء ، الذي لا يحتاج إلى معونة شيء ، فلذلك قلنا إن ربنا على خلاف قولك.
فإن قال : أفنورا تعبدون ، أم ظلمة هو تقولون ، أم غير ذلك مما يعقل تذكرون؟ وإلا فما أراكم تعبدون شيئا عليه تقفون ، ولا تدعونني إلى عبادة شيء أعرفه ، ولا إلى الإقرار بإله يقف عقلي وفهمي على صفته. فكيف أعبد ما لا أعرف ، أو أتعبد لما لست عليه أقف؟! وإنما لا يجب علي أن أقرّ به فضلا على (١٣٢) أن أعبده ، وإنما يجب علي أن أعبد إلها عرفته فلم أنكره ، ووقعت عليه حواسي فلم أدفعه. فأما ما لم يقف عليه عقلي ، ولم أعرفه بشيء من حواسي ، فكيف يكون عندي ثابتا ، فضلا عن أن يكون واحدا فاعلا؟ والوحدانية فإنما تكون عندي وتثبت في قلبي لما عرفته بصفاته ، وحددته بذاته ، فحينئذ أقف على وحدانيته ، فأما ما لم أقف له على تحديد ، ولم أعرفه بكون ذاته فكيف أوحده ، بل كيف أعبده؟ أوجدوني بقولكم حجة وتبيانا ، وأظهروا بذلك لي حقا وسلطانا.
قيل له : لعجز حواسك وعقلك عن درك معبودك جل جلاله بالتحديد ، صح له
__________________
(١٣١) في (ب) و (ج) : إذا.
(١٣٢) في (ب) : عن.