المخلوق أن يصف لك الخالق ، ويقف لك عليه بتحديد ، وفي ذلك إبطال ما نطق به القرآن من توحيد الله الواحد الحميد ، وذلك قول الرحمن فيما نزل من النور والفرقان حين يقول : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى : ١١] ، ويقول سبحانه : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص] والكفؤ فهو : المثل والنظير ، في الصغير كان من الأمور أو الكبير ، وهذا كله وما كان من القرآن مثله فينفي عن الله التشبيه ، وكذلك حجة الله من العقول في الإنسان تنفي ما نفاه عن الله القرآن ، ولو ثبت عقلك أو صحح لك لبك أن ربك محدود ، أو أنه جسم كسائر الأجسام موجود ، لكان عقلك قد ثبت لك أن ربك كغيره من الأشياء ، فتعالى عن ذلك العلي الأعلى ، ولو كان ذلك كذلك لتناقضت حجج الرحمن في كل قول وبيان ، ولو تناقضت حججه لبطلت فرائضه ، ولو بطلت فرائضه لبطل معنى إرساله لرسله ، ولو بطل معنى إرساله لرسله لبطل معنى أمره ونهيه ، ولو بطل معنى أمره ونهيه لبطل معنى ثوابه وعقابه ، ولو بطل معنى ثوابه وعقابه لبطل معنى خلقه لدنياه وآخرته ، ولو بطل معنى خلقه لدنياه وآخرته لبطل معنى خلقه لسماواته وأرضه ، ولو بطل معنى خلقه لسماواته وأرضه لبطل معنى خلقه لما فيهما وبينهما من خلقه ، ولو بطل معنى خلقه لما فيهما وما بينهما من خلقه لما كان لما أوجد من ذلك معنى ، ولو لم يكن لجميع ما أوجد من الأشياء أو بعضها معنى ثابت مفهوم صحيح بين معلوم ؛ لدخل بذلك على الحكمة الفساد ؛ لأن الحكيم لا يفعل فعلا إلا لسبب وأمر ومعنى ، ومن فعل شيئا لغير معنى فإنما ذلك كان منه عبثا وجهلا ، ولو دخل على الحكيم ضد الحكمة ؛ لكان اسم الجهل له لازما ، ومن لزمه اسم الجهل ؛ فليس بخالق ، والخالق فهو الحكيم غير الجاهل ، فتعالى الله الرحمن الرحيم ، الخلاق الحكيم ، لا إله إلا هو الواحد الكريم عمّا يقول فيه المبطلون ، ويضيف إليه الفاسقون ، ويصفه به الجاهلون.
فلينظر من نظر في كتابنا هذا إلى ما يؤول إليه قول من قال بتناقض حجج الرحمن واختلافها في الشرح والبيان ؛ فإنه يؤول إلى جحدان الخالق وإبطاله ودفعه له بما يدخل عليه من الجهل في خلق ما يخلق ، إذ خلق ـ بزعم من جهل وفسق ـ لغير معنى ، وقد يعلم أن من فعل فعلا لغير سبب ولا معنى فإنما عبث واستهزى وضاد الحكمة فيما به أتى ،