أخباره ، ثم نقض ذلك المرجئة بقول من زعم أن الله جائز أن يغفر (١٣٨) لمن قد أخبر أنه يعذبه ، وخالف ذلك منهم من زعم أن الله يقول من زنى عذبته بالنار يوم القيامة ، فيأتي الخبر من الله ظاهرا مطلقا ليس معه استثناء ، ثم لا يعذب أحدا من الزناة يوم القيامة ، ولا تمسهم النار ؛ لأنهم زعموا أنه استثنى ذلك عند الملائكة ، فقال إني (١٣٩) أعذبهم إن شئت ، وإلا فإني أغفر لهم ، أو يقول إلا أن أتفضل عليهم بالعفو ، وإنما عنى أني أعذبهم إلا أن يغتسلوا من جنابة الزنى ، فإن اغتسلوا من جنابة الزنا وفعلوا شيئا من الخير غفرت لهم. فلما جوزوا ذلك في أخبار الله نقضوا معنى ما حكم الله به في وعده ووعيده ، وادعى بعضهم الخصوص في الأخبار ، فزعموا أن كل خبر جاء من الله عاما في الظاهر ، فقد يجوز أن يكون خاصا ، كقول الله عزوجل : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) [التوبة : ٤٩] ، فزعموا أنه يجوز أن يكون عنى بعض الكافرين دون بعض ، وكذلك قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) [النور : ٢٣] ، وأنه يجوز عندهم أن يكون في بعض القاذفين دون بعض ، إلا أنهم يعلمون أن الكفار كلهم يعذبون بإجماع الناس على ذلك.
وأمّا أصحاب الكبائر فيجوز عندهم أن لا يعذب أحد منهم ، ولا تمسه النار ، وزعم بعضهم أنه ليس في أهل الصلاة وعيد ، وإنما الوعيد في الكفار خاصة دون غيرهم. وكل هؤلاء وغيرهم من أصناف المرجئة ناقضون لمعنى ما أخبر الله به في كتابه ، وحكم به من وعده ووعيده.
فلما شهدت لنا الفرق كلها أن الله صادق الوعد والوعيد ، لا خلف لوعده ، ولا تبديل لقوله ، أخذنا بما أجمعوا عليه من ذلك ، فلم ننقض معاني الأخبار كما فعلت المرجئة ، وعلمنا أن الله تبارك وتعالى إذا أخبر بشيء كان كما قال ، ولا تبديل لذلك ، ولا نقض ولا تكذيب ولا نكث ولا تنسخ أخباره أبدا بشيء ، ولا يظهر لنا خبرا ، ثم يفعل خلافه ،
__________________
(١٣٨) في (ب) و (ج) : يعفو.
(١٣٩) في (ب) : إنما.