وقال : (وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) [الأحزاب : ٤] ، فأخبر تبارك وتعالى أنه لم يجعل ذلك الذي جعلوه ، ولم يقل ذلك القول الذي قالوه ، وأنه قولهم بأفواههم ، وأنه لا يقول إلا حقا ، فلو كان خلقه وصنعه كما يقول من لا علم له لم ينفه عن نفسه ، وينسبه إلى عباده ، كما لم ينف عن نفسه خلق السموات والأرض ، ولا شيئا مما خلق ، ولا نسب شيئا مما خلق إلى فعل عباده ، عز عن ذلك وتعالى علوا كبيرا.
وقال : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) [النجم : ٢٣] والسلطان الحجة ، فلو كان خلقها وصنعها كما زعموا لكان قد أنزل لهم بها السلطان ، والله يتعالى من أن يكون لأحد عليه حجة.
وقال : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً) [الكهف : ٥] ، وقال : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) [البقرة : ١٠٩] ، وقال : (رَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) [الحديد : ٢٧] ، فلو كان خلقها وشاركهم فيها لم يقل (ابْتَدَعُوها) ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وقال : (إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) [العنكبوت : ١٧] ، فنسب ذلك إليهم ، واخبر أنهم فعلوه ، ولم يقل إني خلقت الإفك معهم ، ولا تفردت به دونهم كما زعم الجاهلون ، فلو كان كما يقول الجاهلون ، لكان للإفك خالقان ، أحدهما الله ، والآخر إنسان ، تعالى من لا شريك له ولا خالق لخلقه سواه. وقال : (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) [مريم : ٩٠] ، وقال : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) [النور : ١١] ، فبين تبارك وتعالى الذين جاءوا بالإفك وادعوا الولد على الله ، عزوجل ، ثم تبرأ من ذلك ، ونفاه عن نفسه ، وقال : (وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) [مريم : ٩٠] ، فاخبر أنه لم يتخذ ذلك لنفسه ، فلو كان خلق مقالتهم وفعلهم كان هو الذي جاء بها وقالها ، ومن وصف الله بهذا لزمه ان يزعم أن الله اتخذ الولد ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
وكل ما قلنا لم يخلقه الله فإنما نعني لم يفعله ، فلا يتوهم أحد علينا غير ذلك ،