ولا يعجزه (١٥٦) مستصعب من الأمور. إذا شاء شيئا كان بلا كلفة ولا اضطرار ، وليس المشيئة منه بالنية والإضمار ، ولا بالمهلة والانتظار ، مشيئته للأشياء إيجادها ، وإيجادها مشيئته ، فتبارك من كوّن الأشياء بقدرته ، ودل على نفسه بما ابتدع من فطرته.
فإن قال : قد فهمنا ما ذكرت وشرحت من الاختلاف بين العلم والقدرة وبين الإرادة والمشيئة ، فما تنكر أن يلتئم هذا كله في أحد المعنيين ، في أفضلهما وأقواهما وأكبرهما وأعلاهما؟
قيل له : أنكرنا التئام ذلك كله على معنى واحد من أحد هذين الوجهين ؛ لأنا علمنا أنا لو حملنا الإرادة والمشيئة على معنى العلم والقدرة ، وقد علمنا وصح في معقولنا أنهما غير محدثين ، ولا مخلوقين ، وأن الله القادر العالم بنفسه ، لوجب علينا أن نقول إن المشيئة والإرادة غير محدثتين ، ولا مخلوقتين وأنهما صفتان للقديم الواحد الدائم الماجد ؛ لأنه لا يكون قديما إلا الله وحده لا شريك له ، فلو قلنا ذلك ، لوجب علينا أن نقول : إن الله سبحانه قد شاء إغراق فرعون وقومه قبل خطيئتهم وعصيانهم له ، فتعالى عن ذلك علوا كبيرا ، ولوجب علينا أن نقول : إن الله قد شاء أن يسخط على إبليس ، وشاء إخراجه من الجنة قبل خطيئته وعصيانه له. وقد بين وأخبر ربنا عن نفسه أنه لا يشاء عقوبة عبد من عبيده إلا من بعد الإعذار والإنذار. فإنا لو حملنا العلم والقدرة على معنى الإرادة والمشيئة ، وقد علمنا وصح عندنا أنهما حادثتان ، ولو قيل بذلك ، لكان يلزم من قال به أن يكون قد ألحق بالله تعالى عن ذلك الجهل في الدهر الذي كان قبل تكوين العلم وإحداثه ، ولكان يلحق بالله في قوله العجز ، إذ كانت القدرة حادثة فيما كان قبل تكوين القدرة وإحداثها.
فسبحان المتعالي عن قول القائلين ، وعن كل وصف الواصفين ، فقد بان ولله الحمد
__________________
(١٥٦) من (ج) وفي الأصل : (يعوزه).