يستدل به على ملكه أنه يستدل به عليه لأنه الملك نفسه ، وليس شيء مما خلق يزيد في ملكه ؛ وكذلك الوجه يستدل به عليه ؛ وكذلك العرش يستدل به عليه ؛ لأنها أمثال قدمها الله تحكي من حسن الله وبهائه ، أعني حسنه في ذاته ، وبهاءه في ذاته ، وليس ذلك الحسن والبهاء الذي هو لله عزوجل على شيء من صفات حسن الخلق وبهائهم.
ولا نصف الله عزوجل بشيء من صفات البشر ، بل نقول : إن معناه ذلك كله ؛ إذ يعود كل صنف إلى أصله ، أنه هو الله عزوجل لا غيره ، وليس نقول : إن ثم عرشا مخلوقا ، ولا كرسيا مخلوقا ، ولا وجها مخلوقا ، وليس من هذه الثلاثة الأمثال العرش والكرسي والوجه يوجد أبدا بصفة من الصفات ، ولا بحلية من الحلات ، إنما المعنى في هذا كله الله الذي لا إله غيره وحده لا شريك له.
فإن قال قائل أو سألنا سائل ، فقال : ما معنى العرش الذي ذكره الله في كتابه؟
قلنا له : اسم يدل على الله في ارتفاعه وعلوه فوق خلقه من أهل سماواته وأرضه.
فإن قال لنا : ما الكرسي الذي ذكره الله في كتابه؟
قلنا له : اسم يحكى عن صفات الله في ذاته.
فإن قال : وكيف صفات الله في ذاته؟
قلنا له : إن الكرسي يدل على الله ، وهو اسم من أسماء ملك الله ، وليس ثمّ شيء سوى الله. ومعنى (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [البقرة : ٢٥٥] أنه هو وسع السموات والأرض بكرسيه ، ومعنى وسع السموات والأرض بكرسيه ، أي وسع السموات والأرض بعلوه واقتهاره ، ألا تسمع إلى قوله : (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما) [البقرة : ٢٥٥] ، يريد سبحانه أن السموات والأرض لا يحفظانه ، يخبر أنهما لا يمسكانه ، وكيف يمسكانه أو يحفظانه عزوجل ، وهو يخبر أنه خارج منهما ، محيط بأقطارهما؟ واصل من ورائهما ووراء ورائهما إلى ما لا يصل إليه غيره عزوجل. وقد قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لأبي ذر رحمة الله عليه : «يا أبا ذر ما السماوات والأرض في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في الأرض.» يقول صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما السموات والأرض بأقطارهما في ورائهما مما هو أوسع منهما من حد أقطارهما إلى ما لا منتهى له ، إلا كالحلقة الملقاة في الأرض. فأخبر صلىاللهعليهوآلهوسلم بعظمهما وجسمهما أنهما داخلتان في الكرسي كدخول الحلقة في الأرض فما