صلى الله عليه.
ومما يسألون عنه قول الله سبحانه : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) [التوبة : ٣] ، فما قولكم فيما تبرأ الله منه من المشركين؟ أهو خلق أبدانهم ، وما فطر من صورهم ، أم هو أفعالهم وما يأتون به من كفرهم وعصيانهم؟ فإن قالوا : إنه تبرأ من أن يكون خلقهم وجعلهم ، وأوجدهم وفطرهم ؛ كفروا بالله وأشركوا في الخلق معه غيره تعالى الله الكريم. وإن قالوا تبرأ من أفعالهم وعصيانهم ؛ فقد أقروا أنه بريء من أفعال العاصين ، متعال عن القضاء بفساد المفسدين ، وتركوا قولهم بالإجبار ، وصاروا من القائلين على الله بالعدل والإحسان.
ومما يسألون عنه أن يقال لهم : أخبرونا عن قول الله سبحانه لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم : (فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) [الشعراء : ٢١٦] ، أتقولون : إن الله عزوجل أمر نبيه أن يتبرأ مما يتبرأ الله منه ، أم يقولون : إن الله أمره أن يتبرأ مما لم يتبرأ منه؟ فإن قالوا : بل أمره أن يتبرأ مما تبرأ منه ؛ فقد صدقوا ، وإلى الحق رجعوا ، وقالوا : إن الله لم يقض بما برئ منه ، ولم يدخل فيما نهى عنه. وإن قالوا : إن الله أمره أن يتبرأ مما لم يتبرأ هو منه ؛ فقد زعموا أن الله أمر نبيه بمخالفته ، وبأن يتبرأ هو منه ، ويتبرأ مما تولى هو جل جلاله ، وهذا فأكفر الكفر بالله ، وأبين الشرك به تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
ومما يسألون عنه قول الله سبحانه فيما يحكي عن أهل النار : (رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ) [الأعراف : ٣٨] ، أتقولون : إن الله سبحانه الذي أضلهم ، وإن أهل النار ظلموا هؤلاء الذين ادعوا عليهم ، وإن الله حكى باطلا من قولهم (١٦٦) ، وإنه مضل لهؤلاء المعذبين دون من ذكروا ، أم تقولون كما قال الله سبحانه وحكى ، إن الكافرين بعضهم أضل بعضا؟ فإن قالوا : بل الله أضلهم لا هؤلاء ؛ كفروا ، وردوا ما حكى الله من الحق. وإن قالوا : بل هؤلاء أضلوهم دون الله ، فإن الله لم يضل عباده عن طاعته ؛ صدقوا وآمنوا ، ورجعوا إلى الحق.
__________________
(١٦٦) في (أ) : فعلهم.