ومما يسألون عنه قول الله سبحانه : (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) [المائدة : ٣٠] ، فيقال لهم : خبرونا آلله سبحانه طوّع له ذلك وقضاه عليه ، أم نفسه كما قال الله؟ فإن قالوا : بل نفسه طوعت له ذلك ، ولم يقضه الله عليه ، ولم يدخله فيه ؛ فقد أصابوا وتركوا قولهم ، وما كانوا عليه من كفرهم. وإن قالوا بل الله طوّع له ذلك بقضائه عليه وإشقائه له به ؛ فقد خالفوا الله وكذبوه في قوله. والمجبرة تقول : إن الله طوع له ذلك ، وقضى به عليه وأدخله فيه ، ولو لا أنه قضى بذلك عليه لم يفعله. والله يتبرأ عن ذلك ويخبر أن نفسه طوعت ذلك له ، وأنه بريء من ذلك سبحانه.
ومما يسألون عنه قول الله سبحانه فيما يحكي عن الكافرين في يوم الدين من القول حين يقولون : (رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ) [ص : ٦١] ، فقال سبحانه : (لِكُلٍّ ضِعْفٌ) ، يريد سبحانه : لكم ولمن قدم ذلك لكم وبه أمركم ، وزينه في قلوبكم ، وأدخله في صدوركم. فيقال للمجبرة : أخبرونا عن الذي قدم ذلك لهم ، وأدخلهم فيه ، وقضى عليهم به ، فإنا نجد الله سبحانه يخبر أن له ولهم ضعفا من العذاب ، فإن قالوا : إن الله قضى به ، وأدخلهم فيه بقضائه ؛ فقد زعموا أن الله قد أوعد نفسه العذاب ، وأوجب عليه إذ قضى بالكفر عليهم ، وأدخلهم بقضائه فيه ، وهذا الكفر بالله ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا. وإن قالوا إن الله سبحانه لم يقض بذلك عليهم ، ولم يدخلهم فيه ، وإن إخوانهم من شياطين الجن والإنس أدخلوهم فيه ، وزينوه لهم وحملوهم عليه ، وإنهم هم أهل الوعيد الذي ذكر الله سبحانه ؛ فقد أصابوا وخرجوا من قول المجبرة ، ورجعوا إلى قول أهل العدل.
ومما يسألون عنه قول الله سبحانه فيما يحكي عن الفاسقين الكفرة الضالين حين يقولون : (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) [فصلت : ٢٩] ، فيقال للمجبرة : قد نجد أهل العذاب من الكفار يقولون يوم القيامة ما تسمعون ، وينسبون ما كان من سبب إغوائهم وإضلالهم إلى الجن والإنس ، ويبرّءون الله سبحانه في ذلك اليوم من فعلهم ، وأنتم تزعمون أن الله هو الذي أدخلهم في الضلال دون من زعم أهل الضلال ؛ أفتقولون كما يقولون؟ أم تقولون لهم : كذبتم لم يضلوكم؟ فإن قالوا كما قال الله أصابوا ، وخرجوا من الكفر. وإن قالوا : بل الله أضلهم