الله : (قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) ، ولم يقل : هذا من قضاء الله ولا عمله. أفتقولون : إن ذلك كما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإنه من قبل الشيطان ، أم تقولون إن موسى أتي من قبل الرحمن؟ فإن قالوا : بل أتي من قبل الشيطان كما قال الله ، وكما قال موسى عليهالسلام ، وهو أعرف بالله وبكل أمر كان من الله ، ولو كان من الله لقال صلىاللهعليهوسلم : هذا من قضاء الله ؛ فقد صدقوا ورجعوا إلى الحق ، وتابوا وخرجوا من الباطل ، وصاروا عادلين ، ولنبي الله عليهالسلام مصدقين. وإن قالوا : بل لم يؤت موسى في ذلك إلا من الله ، والله أدخله في قتله ومعصية ربه بقضائه على موسى بقتل الرجل ، ولو لا قضاء الله لم يقتله موسى ؛ كانوا في ذلك لموسى عليهالسلام مكذبين ، وقد زعموا أنهم أعلم بالله من موسى عليهالسلام ، وهذا غاية الطعن على الله عزوجل ، وعلى نبيه صلى الله عليه ، وفي ذلك الكفر بالله صراحا (١٦٧).
وممّا يسألون عنه : قول الله سبحانه لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الشورى : ٥٢] ، فيقال لهم : خبرونا عن قول الله سبحانه : (لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ، أفتقولون : إنه كما قال الله عنه ، وإنه هداهم إلى صراط مستقيم ، أم تقولون لم يهدهم؟ فإن قالوا : بل هداهم بأمر الله ، وذلك فعل لمحمد صلىاللهعليهوآله ، وسلم حمده الله وأثنى فيه عليه ؛ فقد صدقوا وآمنوا ، وقالوا بالحق في الله وفي نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم. وإن قالوا : لم يهد محمد أحدا ، وإنما فعل محمد هو فعل الله ، والله أدخله في ذلك كرها ، وجبره عليه جبرا ، ولم يكن لمحمد فيه فعل ؛ فقد زعموا أن الله مدح محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم بفعله لا بفعل محمد نفسه ، وأنه أثنى عليه بغير ما اكتسب وفعل ، وهذا غاية الفسق.
وممّا يسألون عنه قول الله سبحانه : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [الإنسان : ٣] ، فأخبر جل جلاله أنه هدى الخلق ، ولم يهد من عصاه وخالف أمره وأباه ، وأنه قد اهتدى بهداه الموقنون ، وكانوا هم الشاكرين ، وكان المخالفون هم الكافرين. فإن قالوا بهذا
__________________
(١٦٧) في (ب) : صريحا.