آمنوا ، واهتدوا وصدقوا. وإن قالوا : بل نقول إن شكر من شكر ، وكفر من كفر من الله وبقضاء منه وإدخال لهم فيه ، كان ما كان من ذلك ؛ أبطلوا قول الله وكذبوه ، وخرجوا من الإسلام بذلك.
وممّا يسألون عنه ويكذّبون به في قولهم قول الله عزوجل فيما يحكي عن الفاسقين من القول ، والإقرار على أنفسهم في يوم الدين من قوله سبحانه : (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) [سبأ : ٣١] ، ولو كانوا أتوا من قبل الله ، لقالوا : لو لا الله لكنّا مؤمنين ؛ ولكن ذلك اليوم يوم لا يقال فيه إلا الحق ، ولا ينفع فيه إلا الصدق. فما ذا تقول القدرية المجبرة ، أهو كما ذكر الله عمن يقول ذلك ، أم لا؟ فإن قالوا : بل هم كاذبون ، وإنما أتوا من قبل الله لا من قبل المشركين من إخوانهم المجرمين ؛ فقد قالوا باطلا وزورا ، وقد أكذبهم المستكبرون في قولهم ؛ لأنهم يزعمون أن المستضعفين من قبل الله أتوا وصدوا ، وقد قال المستكبرون للمستضعفين في ذلك اليوم وفي ذلك الموقف مجيبين ، وكلتا الفريقين (١٦٨) المستضعفين والمستكبرين لم يقولوا بما قالت القدرية ، بل كلتاهما برأت الله من ذلك سبحانه وجل جلاله ، ولم يقولا فيه بقول القدرية.
وممّا يسألون عنه قول الله سبحانه : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) [الصف : ٥٠] ـ والإزاغة منه هاهنا : فهي الخذلان لهم والتبري منهم ، فلما تبرأ منهم ، وعدموا التوفيق وفقدوا الترشيد ، زاغوا وتزايدوا في الردى والزيغ عن الهدى ـ أفتقولون : إن الله عزوجل ابتدأهم بالزيغ كما تذكرون ، أم بقول الله وما ذكر عن نفسه تقولون؟ فإن قالوا : بل هو ابتدأهم بالإزاغة قبل زيغهم ، وقضى (١٦٩) به عليهم وأدخلهم فيه ؛ كفروا بإكذابهم قول ربهم ؛ لأنه يقول (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) ، والقدرية تقول : بل الله سبحانه بالزيغ ابتدأهم. وإن قالوا : إن الإزاغة من الله عقوبة منه لهم على زيغهم عن الهدى ، وتركهم ما
__________________
(١٦٨) في (أ) : الفرقتين.
(١٦٩) في (ب) : وقضاه عليهم.