إذا الكذوب المبطل ، الظالم المتعدي ، الغشوم المدغل (٢٥٣)؟ من قال وفعل؟ أم من لم يقل ولم يفعل؟ أما سمع الحسن بن محمد قول الجليل ، وما حكى في أوضح التنزيل ، عمن ظلم وجار وأساء ، وفعل فعلا ثم رمى به إلهه واعتدى من قصي بن كلاب (٢٥٤) ، ومن به اقتدى ممن سلك مسلكه وتبعه ، وشرع في ذلك مشرعه ، فسنّ لقريش سنة اتبعتها ، واقتدى جميع العرب بها ، فبحر لهم البحائر ، وسيب لهم السوائب ، ووصل لهم الوصائل ، وحمى لهم الحام ، فكانوا على ذلك حتى ظهر الإسلام ، وأكرمهم الله بمحمد عليهالسلام ، فقال الله سبحانه في ذلك ، ونفى عن نفسه ما رموه به من ذلك ، وألزمهم فعله ، وبرأ منه تبارك وتعالى نفسه ، فقال : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) [المائدة : ١٠٣].
أفترى الحسن بن محمد ، ومن استجهله فقال بقوله وذهب مذهبه ، يقولون لله إذ نفى ذلك من فعلهم عن نفسه : بل أنت فعلته فيهم وخلقته وركبته (٢٥٥) لديهم ، وأدخلتهم فيه ، وقضيته عليهم؟ لقد كذبوا إذا الرحمن العلي الأعلى ، وصدقوا قريشا الجاهلية الجهلاء ، وكفروا بالله كفرا يقينا ، واحتملوا بهتانا وإثما مبينا.
ففي هذا والحمد لله من الحجة كفاية لمن كانت له بالحق من الخلق عناية.
ومما نحتج به على الحسن بن محمد من المقال ، وندحض به قوله المحال ، أن يقال له : إذا كنت تزعم أن الله خلق هذه الحركات التي هي من أفعال العباد ، من أخذ وإعطاء ، وحذوا واحتذاء ، ولبس وارتداء ، وقول ومقال ، وزور ومحال ؛ فلا نشك نحن ولا أنت ولا أحد علم شيئا أو فهم أن قريشا بنت بنخلة العزى ، وثقيفا بالطائف اللات ، فزينوهما بالجواهر والعقيان ، ثم عبدوهما وجعلوهما قسما من دون الله الرحمن ؛ ومن ذلك ما جعلت ونحتت وأقامت ونصبت على الكعبة وفيها قريش من الأصنام ، وما كانوا يجلون ويعظمون
__________________
(٢٥٣) قال في اللسان : رجل مدغل : مخاب مفسد.
(٢٥٤) سيد مكة في الجاهلية.
(٢٥٥) في (ب) : تركته.