فيها ، لا ما قال ابن عباس من أنها هي المنزلة على أنبيائه ، من توراته وإنجيله ، وما نزل على محمد من فرقانه ، ألا تسمع كيف يقول : (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) [القمر : ٥٢ ـ ٥٣] ، وهذه الكتب المطهرة من التوراة والإنجيل والفرقان المكرمة ففيها بعض ما فعل العباد ، وكثير منها لم يقص خبره ، ولم يذكر جل جلاله أمره ، كما قال ذو العزة والأياد ، ورافع السماء وداحي الأرض ذات المهاد : (مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) [غافر : ٧٨] ، وقال : (نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ) [القصص : ٣] ، يريد نقص عليك بعض خبرهما ، وما كان من محاورتهما وأمرهما ، وقال سبحانه في أهل الكهف ، وما كان من سؤال قريش للنبي عنهم ، فقال الله في ذلك : (إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً) [الكهف : ٢١ ـ ٢٢] ، وقال سبحانه : (مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) ، وقال : (مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ) ، فأخبر نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم بما كان من قول أهل بلدهم فيهم ، وقص عليه قبل ذلك ما كان من فعلهم في أنفسهم ـ رحمة الله عليهم ـ واعتزالهم إلى الكهف ، وإخلاصهم لله دينهم ، ثم أمره بأن لا يماري فيهم إلا مراء ظاهرا ، وكتمه عدتهم ، ثم قال : (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) ، ففي كل ذلك يخبر أنه لم يعلمه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولم يخبره في كتابه من أخبار من مضى وفات في قديم الدهر وانقضى (٢٥٩) إلا باليسير من القصص دون الكثير ، ويدل على أن ما لم يقص عليه من أخبار الأمم الماضية ، والحقب الخالية أكثر مما قص ، وأعظم وأطول وأطم ، وكل ذلك فدليل من الله في واضح التنزيل ، على أن ما ذكر الله من الزبر التي فيها كل ما فعله العباد مستطر غير هذه الكتب التي ذكر فيها جزءا وترك ، ولم يذكر بعضا ؛ لأن ما جمع فيه
__________________
(٢٥٩) سقطت من (ب).