ذلك من دون الله يعبدونها ، أهم اجترءوا على الله فيما فعلوا؟ أم الله أدخلهم في عبادة ما عبدوا؟
فإن قال : بل فعله المجوس الأنجاس ، وتعدى به على الله العصاة الأرجاس ؛ فقد أصاب الجواب وأجاب في ذلك بالصواب. وإن قال : إن الله فعله ، وأدخلهم فيه ، وقسرهم على ذلك ، وأجبرهم عليه ؛ فقد زعم أنهم يصبحون ويمسون لله مطيعين وفي مرضاته سبحانه ساعين ، إذ هم في قضائه وإرادته متصرفون ، وفيما أدخلهم فيه داخلون ، وعما صرفهم عنه من طاعته منصرفون.
بل ، فليخبرنا أهل هذه المقالة من أهل المحاربة لله والضلالة : ما الذي يجب عليهم ويرضونه في أحبابهم وفيهم ، إذا رأوا مجوسيا يشتم الله؟ التغيير عليه؟ أم الإقساط إليه والإحسان؟ فإن قالوا : بل يجب عليه التغيير والنكير إن نحن سمعنا شاتما يشتم الرحمن اللطيف الخبير. قيل لهم : لم ذاك ، وأنتم تزعمون في أصل قولكم ، (أن الله الذي فعل أفعالكم وأفعالهم دونكم ، فيجب في قولكم) (٢٦١) ، أن الشاتم بريء من شتمه ، وأن الله سبحانه الشاتم دون المجوسي لنفسه ، إذ زعمتم أن ذلك فعل الله دون مخلوقه وعبده. فلئن كان عليه الله بذلك قضى فما قضى إلا بما أراد سبحانه وارتضى ، أفتنكرون على المجوس المؤتمرين بما أراده منهم رب العالمين؟! لقد إذا سخطتم من الله ما ارتضى ، ورضيتم له من ذلك له ما لم يرد ولم يشأ. بل الواجب في ذلك على كلكم ـ إن كان القول في الله كقولكم ـ تكرمة المجوس والإحسان إليهم ، إذ قد قاموا لله بما قضى به عليهم ، فهم لله في قولكم ومذهبكم مطيعون ، وأنتم ومن قال بقولكم لله سبحانه عاصون ، إذ أنتم لما أراد منهم ولم ينكره عليهم منكرون ، وأنتم لهم ظالمون ، وعليهم بالمنكر متحاملون.
ففي قليل مما احتججنا به من عدل الله ما كفى عن إعادة ما ذكرنا أولا وشفى ـ والحمد لله ـ عن التطويل وأغنى ، غير أنا لا نجد بدا إذا كرر وسأل من أن نشرح ونفسر كل ما يقوله من المقال ، وإذا احتج بالمحال أبطلناه ، وإذا عارض الحق بالباطل دمغناه ، كما
__________________
(٢٦١) سقط من (أ).