وآجرهم على ائتلافهم ، وهو ألّف بينهم ؛ وآجرهم على صرامتهم وهو ربط على قلوبهم ؛ وآجرهم على ظفرهم ، وهو ألقى الرعب في قلوب عدوهم ؛ وهذا كله خلاف لقولهم ، ورد عليهم. فجعل غلبة المؤمنين الكافرين نصرا وعزا وتأييدا ، وجعل غلبة الكافرين دولة بلاء وإملاء ، فأنزل في قتال المؤمنين الكافرين بأحد : (فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ) ، أما الغم الأول : فالهزيمة والقتل ؛ وأما الغم الآخر : (فإشراف خيل الكفار على الجبل حتى أشرفوا عليهم فظنوا أنها الهلكة) (٣١٤) ؛ قال الله تعالى : (لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ) ، من الغنيمة (وَلا ما أَصابَكُمْ) يعني من قتل من إخوانكم ، قال : (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) [آل عمران : ١٥٣]. فإن قالوا : إن الله إنما فعل بذنوبهم ومعصيتهم. قيل : فإنه إنما عصى منهم نفر يسير وهم الرماة ، نحو من خمسين رجلا ، فقد عم ذلك البلاء جميع المؤمنين حتى وصل إلى نبي الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فشج في (٣١٥) وجهه ، وكسرت رباعيته ، وقد كان المسلمون يوم أحد سبعمائة أو يزيدون. فأخبر الله أنه صنع ذلك بهم فأثابهم غما بغم ، أفليس الله قد أراد أن يصيبهم ذلك بأيدي الكافرين ، ولأن ينهزموا ، وأن يقتل من قتل منهم ، ثم أخبر أيضا بما صنع بهم بعد الذي كان منه إليهم من الغم ، فقال : (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) [آل عمران : ١٥٤] ، قال الله لنبيه : (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) [آل عمران : ١٥٤] ، ثم قال : (يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ) ، فأخبر عما أخفوا في أنفسهم ، فقال : (يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا) ، يقولون : لو كنا في بيوتنا ما أصابنا القتل ، قال الله تكذيبا لهم : (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) ، فأخبر أنه قد كتب القتل على قوم قبل أن يقتلوا ، وجعل لهم مضاجع إليها يصيرون ، ثم نهى المؤمنين أن يكونوا مثلهم ، وأن يظنوا بالله كظنهم ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا
__________________
(٣١٤) ساقط من (أ ، ج).
(٣١٥) سقطت من (ب).