وجنته وكسر رباعيته ؛ فكيف يتوهم من كان له عقل وفهم يبين به عن الجهل أن الله أذن لأعدائه في فعل ذلك بأوليائه؟ كذب من ظن ذلك وقال على الله بهتانا وزورا ، وكانوا عنده سبحانه قوما بورا ، وكيف يأذن للفاسقين في القتل والسواية إلى المؤمنين وهم الخيرة عنده من عباده أجمعين ، بل الإذن منه للمؤمنين في قتل المشركين وقتالهم حتى يسلموا أو يفيئوا عن جهلهم وضلالهم ، ألا تسمع كيف يقول سبحانه للمؤمنين : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) [محمد : ٤] ، ويقول : (قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) [التوبة : ١٢٣] ، ويقول سبحانه : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥] ، ففي كل ذلك يأمر المهتدين بقتال الضالين المضلين وبقتل المحادين المشركين. فهل سمع الحسن بن محمد بشيء من كتاب الله سبحانه وأمره وإذنه للمؤمنين؟ وزجره أمرا منه للكافرين بقتال المؤمنين أو حضا لهم على المسلمين؟ بل في كل كتابه يأمر بقتال الكافرين ويحض على محاربة الفاسقين ، ومن ذلك قوله : (قاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) [التوبة : ٣٦] ، وقال ترغيبا في قتال الناكثين ، (وتفضيلا للمؤمنين المجاهدين على جميع العالمين) (٣٣١) : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة : ١١١] ، فدل بما جعل لهم من الجزاء ، وأعد لهم على ذلك من كريم العطاء أن ذلك من فعلهم له رضى.
ثم قال فيمن تعدى على المؤمنين ، وخالف فيهم حكم رب العالمين : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) [البروج : ١٠] ، فأخبر أنهم على ذلك عنده معذبون ، فدل ذلك من فعل العدل الرحيم على أنهم كانوا له مخالفين ، وفي تعديهم وقتلهم له عاصين ، وعلى فعلهم لا فعله أوجب عليهم العذاب ، ولو كان أذن لهم في ذلك لأجزل لهم عليه الثواب ، فسبحان الرءوف الجواد ، البريء من أفعال
__________________
(٣٣١) سقط من (ب).