(وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) ، وادعى على الله سبحانه أنه جعل من كان كذلك منهم كافرا ، ومن كان منهم كافرا فاجرا ، وأنه طبعهم على ذلك ، وفيه ركبهم وخلقهم ، وليس ذلك والحمد لله على ما ذكر ، ولا على ما قال وخبر ، وهذا يخرج من الله على معنيين عدلين محققين :
أحدهما : أن يكون جعله لهم هو ما أوجده منهم وخلقه من أجسامهم ، لا ما ذهب إليه من فعل أفعالهم.
والمعنى الآخر : أن يكون ذو الجلال والإكرام حكم عليهم بما يكون منهم من أعمالهم ودعائهم إلى خلاف طاعته من الكفر به والصد عن سبيله ، وما كانوا يفعلون ويجترءون به على الله ، فكانت حال من يطيعهم على كفرهم ويشركهم في فعلهم ، ويدعوهم إلى غيهم عند الله كحالهم. فلما أن دعوا إلى ما يقرب إلى النار مما كان يفعله الفجار ، كانوا أئمة يدعون إلى الجحيم ، فحكم عليهم بفعلهم العليم ، ودعاهم وسماهم به الرحمن الرحيم ، فكان دعاؤه إياهم بذلك من فعلهم ، وتسمية لهم بما دعوا إليه إخوانهم من النار ، جعلا في مجاز كلام العرب ، كما يجوز أن يقال لمن قال لصاحبه يا حمار : جعلته ويحك حمارا ؛ وإنما يراد بذلك تسميته لا خلقه ، وكذلك إذا دعاه بالضلال ، قيل : جعلته ضالا ، إذ قد سميته به.
فأما ما قال وتوهم أنه إذا خرج في اللفظ شيء كان كذلك في المعنى ، فقال : وقد قال الله سبحانه : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) ، فتوهم الحسن بن محمد على الله تبارك وتعالى أنه الفاعل لكل ذلك ، وليس ذلك والحمد لله كذلك ، وسنفسره إن شاء الله ونبينه وبالحق نميزه. فنقول : إن معنى قوله جل جلاله : (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً) هو كما قال سبحانه : هو الذي خلق الخشب والحجر والماء والمدر ، هو دلّهم على ذلك ، وهم بنوا وعملوا المساكن وكل ما صنعوه من الأماكن ؛ وهو جعل وخلق الأنعام وجلودها ، وهم عملوها بيوتا. ولو لم يخلق الجلود لم يقدروا على عمل ما ذكر من البيوت ؛ وكذلك لو لم يخلق الحجر