تمت مسألته
جوابها :
وأما ما سأل عنه من الإغراء بالإرادة دون الأمر ، فزعم أن الله جل ثناؤه يأمر بما لا يريد ، ويريد من الأشياء ما لا يشاء كينونته ، فأخطأ في قوله وأمره ، ونسب الجهالة في ذلك إلى ربه ، ورضي فيه بما لا يرضاه في نفسه ، ولا يراه حسنا من أمته وعبده ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. ألا ترى أن الآمر بما لا يشاء من أجهل الجاهلين؟ وعن الحكمة من أبعد المبعدين؟ فكيف اجترأ الحسن بن محمد على رب العالمين ، فنسب إليه أشد ما يعاب به المربوبون؟ ثم احتج في قوله ، وسطر أفحش القول في ربه ، فقال : قال الله : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) ، فقال : إن الله تبارك وتعالى أغرى بينهم ولم يرد الإغراء ، ولم يأمر بالإغراء ، وأدخلهم من ذلك فيما لم يشأ. وليس ذلك كما قال ، وأول الآية يدل على عدل الله في ذلك حين أخبر بما كان منهم ، وذكر من الترك والرفض لما أمروا بأخذه ، والأخذ لما أمروا بتركه ، فلما أن فعلوا من ذلك ما عنه نهوا ، استأهلوا من الله سبحانه الترك والخذلان بما كان منهم لله من العصيان ، فتركهم من الرشد والتوفيق فضلّوا ، وعن الخير والصلاح في كل أمرهم (٣٤٣) عموا ، والبر والتواصل تركوا ، فغريت بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ، ونشأ على ذلك خلف من بعد خلف ، فكان ذلك لسبب خذلان الله لهم وسخطه عليهم لذلك ، فلما كان ذلك كذلك جاز أن يقال : إن الله أغرى بينهم العداوة ، وبكل ضلال قالوا ، فنسب المسيح منهم قوم إلى أنه رب ، ونسبه قوم آخرون إلى أنه ابن للرب ، وقال آخرون بما قال في نفسه إنه عبد الله حين أخبر عنه بقوله حين أشارت إليه أمه ، قال الله جل ثناؤه : (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ
__________________
(٣٤٣) في (ب) : أمورهم.