أصحابه على الموت فيه بيعة ثانية ، وهي البيعة التي ذكر الله عن المؤمنين ورضي بها عنهم ، وأنزل السكينة عليهم وصرف القتال وكف أيدي الكل من الرجال بما أطلق لرسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم من إجابته لهم إلى ما طلبوا من المهادنة في ذلك العام ، والرجوع عنهم ، والدخول في السنة المقبلة إلى البيت الحرام. فأطلق له الرجوع عنهم والترك لمقاتلتهم لما ذكر سبحانه ، فمن كان بمكة ممن كان مكة من المؤمنين والمؤمنات لأن لا يطئوهم فيقتلوهم بغير علم فيصيبهم منهم معرة عند الله بالحكم ، والمعرة هاهنا فهي الدية لا ما قال غيرنا به فيها من الإثم. وكيف يأثم من بر وكرم وقاتل على الحق ـ كما ذكر الله عزوجل ـ من خالفه من الخلق فقتل مؤمنا بغير علم ولا تعمد؟ وهو فإنما قتله وهو يحسبه كافرا ، ويظنه في دين الله فاجرا؟ فهو والحمد لله في ذلك غير آثم ولا متعمد في فعله ولا ظالم ، ولكنه مخطئ فعليه ما على مثله ، وهو ما ذكر الله في قوله حين يقول : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) [النساء : ٩٢] ، وإنما جعل عليه العتق والدية تعظيما لقتل المؤمن وتشديدا على المؤمنين في التثبت والتبين عن قتال الكافرين ، كما قال سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) [الحجرات : ٦].
وأما معنى قوله سبحانه : (مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) ، فهو الحكم لهم من الله عزوجل بالنصر إذ نصروه. ومن ذلك ما قال ذو العز والجلال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) [محمد : ٧] ، ولا نصر يكون أكبر (٣٤٤) من نصره لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ومن معه من المؤمنين ، فحكم الله سبحانه لهم على أعدائه بالنصر إذا التقوا ، وبالغلبة إن احتربوا ، ألا تسمع كيف يقول : (وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) [الفتح : ٢٣] ، يقول : حكم الله للمؤمنين بالنصر على الفاسقين ، ولن تجد لما حكم به رب العالمين للمؤمنين تبديلا ، فهذا معنى الآية وتفسيرها لا كما قال من نسب
__________________
(٣٤٤) في (ب) : أكثر.