أصحابه المؤمنين غصبا ، حتى لم يكن لهم في ذلك حيلة ، ولم يبسط أيديهم بالسواية (٣٥١) إليه ، وأنه قبضها عنهم قبضا ، ومنعهم منعا ، وليس ذلك كما توهم ولا هو على ما به تكلم ، وسنشرح ذلك إن شاء الله ونقول فيه بالحق على الله.
فنقول : إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان خرج إلى يهود بني النضير في نفر من أصحابه ـ وكان بنو النضير ينزلون قريبا من المدينة ـ ليستعينهم في ديتين وقعتا خطأ على بعض المسلمين. فلما أن أتاهم رحبوا به وأدنوه ، وكل ما طلب منهم وعدوه ، ثم تآمروا به وبأصحابه ، وعزموا على الغدر به وبمن معه من أعوانه ، فأهبط الله عزوجل بذلك جبريل صلى الله عليه وعلى رسوله فأخبره به وأوقفه عليه ، فنهض صلىاللهعليهوآلهوسلم مسرعا هو ومن معه حتى رجعوا ، ثم هيئوا (٣٥٢) وخرجوا إليهم يقاتلونهم ، وأقاموا عشرين ليلة يحصرونهم في حصونهم ، ثم نزلوا من بعد ذلك على حكم سعد بن معاذ ، وكان من كبار الأنصار ، وذوي القدر منهم والأخطار ، وكانوا يتكلمون إليه ، ويظنون لما كان بينه وبينهم في الجاهلية من المداناة والإحسان أنه سيحابيهم ويحكم بما ينجيهم كلهم ، فحكم بأن تقتل رجالهم وتسبى ذراريهم وحرمهم وفي ذلك ما قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات.» ، ففعل ذلك بهم ، وأخزاهم الله وأهلكهم ، وأبادهم وقتلهم ، فكان إعلام الله عزوجل لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم بما اجتمعوا عليه وعزموا وصاروا فيه إليه كفا لأيديهم ونقضا لعزيمتهم وإبطالا لتدبيرهم. فهذا معنى ما تحير فيه الحسن بن محمد من تفسير الآية ، لا ما قال به على الله عزوجل من البهتان ، وما حمل من محكم القرآن على متشابه القرآن (٣٥٣)
__________________
(٣٥١) السواية : المكروه.
(٣٥٢) في (ب) : تعبوا.
(٣٥٣) قال الدكتور محمد عمارة معلقا على هذا الموضع : ما في كتب السيرة عن هذه الواقعة التاريخية يؤيد الإمام يحيى ، ويرفض تفسير ابن الحنفية ، فلقد كان كف أيدي بني النضير عن رسول الله بواسطة قيامه عن مكانه إلى جوار جدار من جدرهم ، وذهابه إلى المدينة بسبب إخبار الوحي له بأنهم قد عزموا