واستعد بمن معه لهم ، فخافوهم وحذروهم فلاشى عزيمتهم وأبطل في ذلك إرادتهم ، ومنّ على نبيه صلى الله عليه بما ألقى له وللحقّ في قلوبهم من الهيبة والمخافة ، فرجعوا خائبين ، ومما أرادوا مؤيسين ، وأعز الله سبحانه المؤمنين ، وكبت الفاسقين. فهذا إن شاء الله معنى ما ذكر الله من كف أيديهم عن عيسى بن مريم صلى الله عليه بينهم ، والمظهر للحق فيهم ، والمطلق لهم بعض الذي حرم عليهم ، المبرئ لأكمههم وأبرصهم ، الشافي لسقيمهم ، والمحيي لميتهم ، والمنبئ لهم عما يأكلون ويدخرون في بيوتهم ، (وتلك فأعظم) (٣٥٤) آيات ربهم وبراهين خالقهم ، فلما عتوا عن أمر خالقهم ، قال حين ذلك نبيهم صلىاللهعليهوسلم : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) ، وأعوانك وأنصارك وخدامك ، فآمن معه من بني إسرائيل الحواريون ، وكفر سائر الإسرائيليين ، فأيد الله المؤمنين فأصبحوا كما قال الله : (ظاهِرِينَ) ، حين يقول عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) [الصف : ١٤] ، فهذا قولنا في رب العالمين ، لا كقول الجاهلين الذين نسبوا إلى الله عزوجل أفعال العباد ، وقلدوه ما يكون في ذلك من الفساد ، فتعالى الله الواحد الرحمن عن زخرف أقاويل الشيطان ، المضاهين (٣٥٥) لمذاهب عبدة الأوثان ، وما حكى فيهم الرحمن من قولهم : (لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) [النحل : ٣٥] ... الآية (٣٥٦)
تم جواب مسألته
__________________
(٣٥٤) في (أ ، ب) : وذلك فأعظم.
(٣٥٥) أي المشابهين.
(٣٥٦) وتمام الآية : (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ).