وآية ذلك أنهم لا يبدءونه بالمنابذة قبلكم. فطرح في قلوب كل لكل (٣٥٨) بلاء وحقدا (٣٥٩) ومخافة وشحناء ، فأقام كل ينتظر أن يبدأ بالمحاربة غيره ، فلما طال ذلك عليهم وتراسلوا بينهم يسأل كل كلا أن ينصب لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حربا ، وكلهم يأمر صاحبه أن يبدأ ، فصح لذلك عندهم قول الأشجعي ، فتفرقوا ، وفسدت قلوب بعضهم على بعض ، فرحلت العرب طرا راجعة إلى بلدها ، وأرسل الله سبحانه الريح على قريش واليهود ، وأمد المؤمنين بالنصر منه ، والجنود ، فلم يقم (٣٦٠) لقريش خباء ولا ظل ، ولا يستوقد لهم نار إلا أطفأتها (٣٦١) الريح وفرقتها (وحرقتهم بها) (٣٦٢) ، فأقاموا ثلاثا لا يختبزون ولا يصطلون ، فاشتد عليهم القر والجوع ، ورماهم الله بالذل ، فأزمعوا على الرجوع ، ورحلوا راجعين وخاسرين خائبين نادمين ، وفي ذلك ما (٣٦٣) يقول رب العالمين : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) [الأحزاب : ٩] ، فرجع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقاتل بني النضير ، إذ نقضوا عهده ، وخالفوا أمره فحاصرهم حتى جهدوا ، فقالوا : يا محمد ، خلنا نخرج من البلد بما حملت إبلنا التي في الحضرة معنا من متاعنا ونخلي لك الباقي وما لنا من الضياع ، وبشرط ألا نخرج بسلاح ، ونترك الديار والنخل والقرى. فرضي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بذلك ، فخرجوا بإبلهم عليها جيد متاعهم وتحف أثوابهم ، فلما قلعوا التحف تهدمت وجوه البيوت ، وذلك تدبير منهم ليخربوها عليهم ،
__________________
(٣٥٨) في (ب) : أحد.
(٣٥٩) وحذرا.
(٣٦٠) في (ب) : فلم يكن يقوم.
(٣٦١) في (ب) : أطفأها الله بالريح.
(٣٦٢) هكذا في الأصل.
(٣٦٣) غير موجودة في (ب).