فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) [المدثر : ٤٢].
فهذا معنى ما ذكر الله من الذرو في الكتاب ، لا ما ذهب إليه الحسن بن محمد ذو الشك والارتياب ، من أن الله سبحانه خلق للنار خلقا تعمل بالمعاصي أبدا ، لا يقدرون على هدى ولا طاعة في سنة ولا شهر ولا يوم ولا ساعة ، وأن الله سبحانه خلق للجنة أصحابا مجبولين لله على الطاعة في كل الأسباب.
فيا عجبا من قولهم المحال! وكذبهم على الله في المقال! فأين ـ ويحهم ـ المعاصي والطغيان ممن عمل بما ألزمه الله في كل شأن؟ بل كل مطيع ، وفي مراد الله سريع؟ فإن كان ذلك من الله كذلك ، فلم بعث الأنبياء إليهم يدعونهم؟ وأوجب عليهم طاعتهم؟! وطاعة الأنبياء فهي العمل بطاعة الله ، ومعصيتهم فهي المعصية (٣٦٨) لله ، فقال الله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) [النساء : ٥٩] ، وقال : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) [النساء : ١٣] ، وقال : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) [الجن : ٢٣] ، وقال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ) [النساء : ١] ، وقال : (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) [الذاريات : ٥٠] ، فأين الطاعة ممن جبل على المعصية؟ وأين الفرار ممن منعه منه الجبار؟ وكيف لا يعصى الرسول والرحمن الرحيم من قد حيل بينه وبين الإحسان!؟
ومن ذلك قول إبراهيم صلى الله عليه لأبيه : (يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا) [مريم : ٤٢ ـ ٤٣] ، فما ذا يقول الكافرون وينسب إلى الله وإلى نبيه الضالون في هذا العلم الذي جاء إبراهيم؟ أتراه أتاه من العلم ـ إن كان الله قد خلق أباه للنار ـ أن أباه يقدر أن يخرج إلى غير ما خلقه الله له من النار حتى يصير إلى الجنان؟ أم يقولون إن العلم الذي جاء إبراهيم هو أن أباه ـ إن كان الله جل ثناؤه خلقه للشقاء ، وحال بينه وبين
__________________
(٣٦٨) في (ب) : العصيان.