الهدى ـ يقدر على مغالبة الرحيم ، والخروج مما أعد له من الجحيم ، والمصير إلى دار النعيم؟ والله سبحانه لم يخلقه لذلك ، بل جبله على غيره ومنعه من رشده؟ أم تقولون في إبراهيم ـ الأواه الحليم الصديق الكريم ـ إنه دعا أباه إلى اتباعه وضمن له ما ضمن من إرشاده ، ونهاه عن عبادة الشيطان الرجيم ، وأمره بطاعة الرحمن الرحيم ، وهو يعلم أن الله جل جلاله قد منعه من الخير ، وأدخله إدخالا في الشر والضير؟! فلقد إذا أمره بمغالبة ربه ، وهجره واعتزله على غير ذنبه.
ثم يقال لهم : خبرونا ، وعما نسألكم عنه أجيبونا : هل بعث الله جل ثناؤه نبيه إلى الخلق طرا ـ فإنه يقول : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) [سبأ : ٢٨] ـ يدعوهم إلى طاعته وينهاهم عن معصيته ، أم بعثه إلى بعض ولم يبعثه إلى بعض؟ فإن قالوا : بعثه إلى الخلق طرا. فقل : فما دعاهم إليه؟ فإن قالوا : إلى الثبات على ما هم عليه من الكفر ؛ كفروا. وإن قالوا : دعاهم إلى الإيمان. قيل لهم : فهل يقدرون على ذلك من الشأن؟ وقد جبلوا على قولكم على الكفران؟! فإن قالوا : نعم ؛ تركوا قولهم. وإن قالوا : لا ؛ جهلوا ربهم ونبيهم ، إذ زعموا أن الله سبحانه بعث نبيه يدعو إلى الخير والهدى من لا يقدر على الاهتداء ، ومن قد حال الله بينه وبين التقى ، وهذا فأفحش أفعال الظلمة الجهال ، وما لا يجوز في الله ذي الجلال ، أن يحول بين عبده وبين طاعته ، ثم يرسل إليه ويأمره بمرضاته ، وقد أخرجه منها وأدخله في ضدها ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، وسبحان الله بكرة وأصيلا.
تم جواب مسألته
المسألة السابعة والعشرون : معنى قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ)
ثم أتبع ذلك المسألة عن قول الله عزوجل : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) [هود : ١١٨] ، فيقال لهم : خبرونا عن هؤلاء الذين قال الله : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) ، هل