يستطيعون أن يكونوا على غير ما وصفهم الله به؟ وأن يتركوا ما خلقهم له؟ فإن قالوا : لا يستطيعون ؛ فقد أجابوا وصدقوا. وإن قالوا : نعم ، هم يستطيعون أن يكونوا على غير ما خلقهم ؛ فقد كذبوا وخالفوا. وإن زعموا أن الله جل ثناؤه إنما خلق أهل الإيمان للرحمة ، فنحن نقبل منكم ونصدقكم إن زعمتم أن الله جل ثناؤه خلق خلقا من خلقه خصهم بالرحمة ، فلا يستطيعون أن يكونوا على غير ما خلقهم ؛ لأنه قد استثنى لهم.
تمت مسألته
جوابها :
وأما ما سأل عنه من قول الله سبحانه : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) فإنا نقول : إن معنى قوله : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) هو إخبار عن قدرته وإنفاذ ما شاء من إرادته. فأخبر سبحانه : أنه لو شاء أن يجعلهم أمة واحدة لجعلهم قسرا ، ولأدخلهم في طاعته جبرا ، ولكنه لم يرد قسرهم على ذلك ، ولم يرد أن يدخلهم في الطاعة كذلك ، للحكمة النيرة ، والحجة الباهرة ، ليثيب على عملهم المثابين ، ويعاقب على اجترامهم المعاقبين ، لا ما يقول به المبطلون ويذهب إليه الجاهلون من أنه لم يرد من العاصين الطاعة ، ولم يكره من الفجرة المعصية ، وأنه لو أراد ذلك منهم لفعلوه ، ولو شاء أن يعبدوه لعبدوه ، وقالوا على الله عزوجل الأقاويل الردية ، وضاهوا في ذلك قول الجاهلية حين قالوا : (لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) [الزخرف : ٢٠] ، وقال سبحانه يكذبهم فيما وهموا من أنه يريد عبادة أحد دونه ، أو أنه لا يشاء أن يعبدوه : (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ) [الزخرف : ٢١] ، ثم أخبر بما به عبدوا من يعبدون ، ومن به في ذلك يقتدون ، فقال : (بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ) [الزخرف : ٢٢] ، ثم أخبر نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم بقول من كان قبلهم ممن أهلك بمثل قولهم ، فقال : (وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى