أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) [الزخرف : ٢٣] ، فكيف يقول الجهال ، وأهل الغي والضلال إنّ الله سبحانه يشاء من عباده ، أو لهم ، الكفر ، وقد يسمعون في ذلك قوله ، ويرون ما نزل بإخوانهم على قولهم من نكير قولهم؟ أو لم يسمعوا الله سبحانه يقول : (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) [الزمر : ٧] ، فقال : (إِنْ تَكْفُرُوا) ، فأخبر بذلك أن الكفر فعل منهم ولهم ، إذ نسبه سبحانه إليهم ، وذكره عنهم ، ثم قال : (لا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) فأخبر أنه لا يرضى ما كان من كفرهم. فكيف يقول الجاهلون في ربهم إنه قضى بما لم يرض لهم عليهم؟! فأكذبوا في ذلك رب الأرباب وعاندوه في كل الأسباب ، فقالوا : إنه رضي بما قال سبحانه إنه لم يرضه ، وقالوا : إنه سخط ما قال إنه رضيه فعاندوه في ذلك عنادا ، وجاهروه بالمكابرة جهارا ففي هذا والحمد لله من البيان ما يكفي عن ذكر غيره من الحجج والبرهان.
وأما قوله جل جلاله : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) ، فإنا نقول في ذلك بالحق المبين (٣٦٩) على رب السماوات والأرضين ، فنقول : إن معنى قوله : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) ، أي لا يزال أهل الحق لأهل الباطل مخالفين وعليهم في باطلهم وفسقهم منكرين ، (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) رب العالمين ، وبه أمرهم سبحانه أكرم الأكرمين ، فخلق جميع خلقه ليعبدوه لا ليعصوه ، وأمرهم أن يطيعوه ولا يخالفوه ، وأن يجاهدوا الكافرين كافة أجمعين حتى يفيئوا إلى طاعة رب العالمين ، فخلقهم سبحانه لما شاء من ذلك وشاء ما أمرهم به ، وأمرهم بما خلقهم له من طاعته ومجاهدة أعدائه والنصر لأوليائه ، فقال سبحانه في ذلك : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) [التوبة : ٣٦] ، وقال : (قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [التوبة : ١٢٣] ، وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) [الممتحنة : ١] ، وقال : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ
__________________
(٣٦٩) سقطت من (ب).