والجزع تركيبا في الإنسان من الله الواحد ذي السلطان ، لما أمره الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بتركه ، ولما قدر على رفض ما كان فيه من ربه ، ولكان من هلع وجزع عند الله كمن أطاع وصبر وسمع ، إذ هما من الله فعل في العالمين ، وهم ـ إن كان ذلك ـ طرا مطيعون ، إذ هم في كل ما صرفوا متصرفون.
ولو كان ذلك فعلا من الله فيهم ، وكان على ذلك خلقهم لم يلمهم ولم يعاقبهم على الجزع والجبن ، والانهزام وتولية الأدبار ، عند لقاء الفسقة الأشرار ، وذلك قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [الأنفال : ١٦] ، فكيف يوجب الغضب عليهم ويجعل النار مأواهم على فعل ما عليه خلقهم وسواهم؟! تعالى الله عن ذلك وتقدس أن يكون كذلك ، بل ذلك فعل منهم ، ولذلك رجع وباله عليهم ، فمن كان لله مريدا صبر عند المحنة ، ومن كان عنه بعيدا هلع ، وعند النوازل جزع ، وإنما يكون ذلك على قدر اليقين والتسليم لله من المؤمنين.
ومن ذلك يوم حنين حين انهزم المسلمون وجزعوا ، وثبت مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الذين ثبتوا ، ثم ناداهم الرسول فرجعوا ، أفيقول الحسن بن محمد : إن الله سبحانه خلقهم جزعا ، فانهزموا لما خلقهم عليه من الجزع ، ثم ناداهم الرسول فاستحيوا منه ، فكرّوا ، وعن خلق الله الذي خلقهم عليه غيّروا ، فتركوا ما ركب الله فيهم من الجزع والجبن؟! أم يقول : إن الله عزوجل خلقهم في أول الأمر جزعا هلعا ، ثم نقل خلقهم آخر ، فجعلهم صبرا؟! لقد ضل إذا ضلالا بعيدا ، وخسر خسرانا مبينا ، بل ذلك منهم كله أوله وآخره ، ولذلك أثيبوا على الرجوع ، ولو لم يرجعوا لعوقبوا على الذهاب والشسوع. فليفرق من عقل بين ما أخبر الله سبحانه عنه ، وبين ما فعله وجعله ، فبينهما ولله الحمد فرق عند ذوي العقول عظيم ، وأمر واضح (٣٧٣) في اللسان بيّن جسيم.
تم جواب مسألته
__________________
(٣٧٣) سقط من (ب).