بنية الإنسان بالضعف والسحاقة (٣٧٢) ، ولم يكلفه في ذلك إلا دون الطاقة ، فلذلك ما قال سبحانه : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) ، يقول : جعل على بنية لا تطيق الأمر الشديد ، فهو يهلع ، ومن كل فادح يجزع ، ثم قال : (إِلَّا الْمُصَلِّينَ) ، وأخبر أن من كان لله مطيعا من المؤمنين أصبر عند المحنة من الفاسقين ، وأن المحنة لا يطيق لها ولا يقوم لها من الناس إلا ذوو الاصطبار من عباده الصالحين ، وأمر سبحانه نبيه والمؤمنين بالصبر ، فقال : (وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [لقمان : ١٧] ، وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران : ٢٠٠] ، فأمرهم بالصبر وحضهم عليه في كل أمر ، ونهى من يطيق ويحتمل عن الوهن والعجز ، فقال : (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا) [آل عمران : ١٣٩] ، وقال : (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) [محمد : ٣٥].
ولو كان خلق الوهن وما كان من أفعالهم لما كان جزع ولا هلع ولا صبر ، ولا عدد من أعمالهم ، بل كان عمله سبحانه ، لا عملهم ، وفعله كل ذلك لا فعلهم.
ولو كان ذلك فعل الرحمن لما أثاب على صبره الإنسان. ألا تسمع كيف يقول ذو الجلال والقدرة والطول : (بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) [آل عمران : ١٢٥] ، وقال سبحانه : (وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الأحزاب : ٣٥] ، فضمن للصابرين على الجهاد النصر ، وللعالمين المؤدين للفريضة المغفرة والأجر.
وقال سبحانه يحكي عن رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما قال لأبي بكر إذ هما في الغار من المشركين مختفيان ، إذ هلع أبو بكر وحزن وجزع ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) [التوبة : ٤٠] ، فنهاه عن الحزن. ولو كان الهلع والحزن
__________________
(٣٧٢) من معانيها : اللين الشديد ، وهو المراد هنا.