بذلك وبين الطاعة ، فليس كما توهم. ألا يسمع إلى قول الله عزوجل : (وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) ، فأخبر سبحانه أنه متبع في ذلك لهواه ضال عن رشده ، تارك لهداه ، ولو كان ذلك من الله لم يكن العبد متبعا لنفسه هواه ، بل كان داخلا لله فيما شاء وارتضى ، وسنفسر معنى الآية إن شاء الله ، والقوة بالله وله. إن الله تبارك وتعالى نهى نبيه عن طاعة من أغفل قلبه ممن آثر هواه على هداه. وأما معنى ما ذكر الله سبحانه من الإغفال ، فقد يخرج على معنيين ، والحمد لله شافيين كافيين :
أحدهما : الخذلان من الله والترك لمن اتبع هواه وآثره على طاعة مولاه ، فلما أن عصى وضل وغوى ، وترك ما دل عليه من الهدى استوجب من الله الخذلان ، لما كان فيه من الضلال والكفران ، فغفل وضل وجهل إذ لم يكن معه من الله توفيق ولا إرشاد ، فتسربل سربال الغي والفساد.
وأما المعنى الآخر : فبيّن في لسان العرب موجود ، معروف عن كلها محدود ، وهو أن يكون معنى قوله : (أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا) ، أي تركناه من ذكرنا ، والذكر فهو التذكرة من الله ، والتنبيه والتسديد ، والتعريف والهداية إلى الخير والتوفيق. فيقول سبحانه : تركنا قلبه من تذكيرنا وعوننا وهدايتنا بما أصر عليه من الإشراك بنا ، واجترأ علينا. تقول العرب : يا فلان أغفلت فلانا ، ويقول القائل : لا تغفلني ؛ أي تتركني. وتقول العرب : قم مني ، أي قم عني ، فتخلف بعض حروف الصفات ببعض ، وتقيم بعضها مقام بعض.
قال الشاعر :
شربن بماء البحر ثم ترفعت |
|
لدى لجج خضر لهن نئيج (٣٧٦) |
فقال : لدى لجج ؛ وإنما يريد : على لجج. فذكر السحاب وشربها من البحار واستقلالها بما فيها من الأمطار. وقال آخر :
أغفلت تغلب من معروفك الكاسي |
|
فخلت قلبك منهم مغضبا قاسي |
__________________
(٣٧٦) قال في اللسان : النئيج : الصوت.