تبارك وتعالى.
فنقول : إن الكلمة التي حقت هي حكمه على من كفر من الخلق بالنيران ، من الجنة والإنسان. فإن الله تبارك وتعالى ، علم بما سيكون منهم من العصيان والإحسان ، فأوجب للمحسنين الثواب ، وعلى المذنبين العقاب.
فأما ما سأل عنه من قوله : هل كانوا يستطيعون أن يطيعوا الله جميعا فلا يعصوه؟ فكذلك نقول : إنهم كانوا يستطيعون طاعته ، كما يطيقون معصيته ، ولكنهم افترقت بهم الأهواء ، فمنهم من اختار الإيمان والتقوى ، ومنهم من اختار الضلالة والعمى ، والله تبارك وتعالى فإنما حكم بالنيران على من اختار من الثقلين العصيان ، أو كره ما أنزل الرحمن ، فعلم الله وقع على اختيارهم وما يكون من أفعالهم ، ولم يدخلهم في صغيرة ، ولم يخرجهم من كبيرة ، ولو علم أنه إذا دعاهم وبصرهم وهداهم أجابوه باسرهم وأطاعوه في كل أمرهم ، إذا لأخبر بذلك عنهم ، كما أخبر به عن بعضهم ، وكذلك لو علم أنهم يختارون بأجمعهم المعصية ، لحكم عليهم بالنار كما حكم على الذين كفروا منهم.
وأما قوله سبحانه : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) ، فكذلك الله سبحانه لو شاء أن يجبر العباد على طاعته جبرا ، ويخرجهم من معصيته قسرا ؛ لفعل ذلك بهم ، ولو فعل ذلك بهم ، وحكم به عليهم لم يكن ليوجد نارا ، ولا ليخلق ثوابا ، ولكان الناس كلهم مصروفين لا متصرفين ، ومفعولا بهم لا فاعلين ، ولكنه سبحانه أراد أن لا يثيب ولا يعاقب إلا عاقلا (٣٨٤) متخيرا مميزا ، فأمر العباد ونهاهم وبصرهم وهداهم ، وجعل منهم استطاعات ينالون بها المعاصي والطاعات ، ليطيع المطيع فيستأهل بعمله وتخيره الثواب ، ويعصي العاصي فيستوجب باكتسابه العقاب.
فأما قوله : (وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) ، فهو :
وجب وحق الحكم مني بما حكمت به ومضى ووقع عليه ما جعلته من عقاب المذنبين ، وثواب المحسنين من الجنة والناس أجمعين. فهذا معنى قوله سبحانه ، لا ما قال المبطلون ،
__________________
(٣٨٤) في (ب) : عاملا.