جوابها :
وأما ما سأل عنه من قول الله عزوجل لإبليس : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) ، ومن قوله : (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) ، وعن قول إبليس حين قال : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) ، فقال : ما هذا السلطان الذي ليس للشيطان على المؤمنين؟ فتوهم لجهله وسوء نظره وعلمه أن الله تبارك وتعالى ، حال بين إبليس وبين بعض العباد حولا ، ومنعه من الوسوسة لهم منعا ، وقسرهم عنه قسرا ، وليس ذلك كما قال. ألا تسمع ما ذكر الله عن آدم وزوجه ، وكيف كانت وسوسته لهما حتى أوقعهما فيه ، وكذلك (اعترض لعيسى بن مريم حتى دحره ولم يطمعه في شيء مما ذكره ، ولغيرهما من الأنبياء) (٣٨٦) والمؤمنين. فلو منعه الله من أحد من المؤمنين منعا ، وقسره عن الوسوسة له قسرا ، لكان ذلك لأبيهم آدم صلى الله عليه ، ولكنه سبحانه منعه من ذلك بالنهي له ، والزجر عما هو عليه من إغوائه ، وعاقبه عليه ، وأعد له النار والعذاب فيه ، فقال : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [هود : ١١٩].
فأما السلطان الذي ذكر الله عزوجل أنه ليس له على المؤمنين في قوله : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) ، فهو ما علم من المؤمنين من طرده ودحره ، وترك طاعته في وسوسته وأمره ، وأنهم لا يجعلون له عليهم سلطانا بشيء من الطاعة له من العصيان لربهم ، وأنهم لا يزالون مؤثرين لطاعة الرحمن محترسين من الشيطان بتلاوة القرآن والاعتصام بذي الجلال المنان ، فهم أبدا لله مراقبون ، وفي طاعته ساعون ، وللشيطان اللعين معادون كما أمرهم ربهم حين يقول : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) [فاطر : ٦] ، وفي كل ما أمرهم به مخالفون ، فأولئك هم المهتدون الذين على ربهم يتوكلون ، فليس له على هؤلاء سلطان ، وإنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به
__________________
(٣٨٦) سقط من (ب).