فأما أحدهما : فهو مشيئته أن يزيد المهتدين هدى ، ويزيد المؤمنين تقوى ، وذلك قوله سبحانه : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) [التغابن : ١١] ، وقوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الحديد : ٢٨] ، فشاء سبحانه أن يزيد ويختص برحمته من ثابر على طاعته ، وسارع إلى مرضاته ، كما شاء أن يخذل من آثر هواه وأسخط بفعله مولاه.
وأما المعنى الآخر : فهو ما يختص به من يشاء من السلامة والإغناء ، وصرف المكاره والبلوى.
فتبارك الله الواحد الأعلى ، فهذا ومثله معنى اختصاص الله بالرحمة لمن يشاء ، لا ما يقول الفاسقون ، ويذهب إليه الضالون من أن الله تبارك وتعالى يخرج من المعصية عباده قسرا ، ويدخلهم في طاعته جبرا.
وأما ما سأل عنه من قول الله سبحانه لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) ، فإنا نقول : إن الشرح من الله لصدره هو توفيقه وتسديده وترغيبه بالهدى وتأييده ، وتعليمه ما كان يجهله وتفهيمه. فشرح الله بالإيمان صدره ، ورفع بالوحي المنزل قدره. وأما الوزر الذي وضعه الله عن ظهره ، فهو ما يغفر له من ذنوبه ، ومن الوزر ما كان منه من الضلال عن الوحي والهدى ، فوضعه الله سبحانه عنه بهداه له ، ومما خصه الله به من النصرة والزيادة في تقواه ، فجعله من بعد أن كان جاهلا عالما ، ومن بعد أن كان متبعا متبعا ، ومن ذلك ما وضع عنه من وزر الفقر وضرائه ، وما امتن به عليه من بعد العيلة وأغناه ، كما قال تباركت أسماؤه : (وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) [الضحى : ٨]. وأما قوله سبحانه : (الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) ، فهو أوقره وفدحه وغمه وكربه من الضلال عن العمل برضى رب الجلال ، فوضع الله عنه ثقل ذلك بما بصره ، وأوحى إليه وفضله وامتن به عليه ، وليس ذلك الوزر حملا من الأحمال على ظهر ، ولا وقرا وقر بحمله ، وإنما ذلك على المثل ، قال الشاعر :
حملت أمرا عظيما فاضطلعت به |
|
جزاك عنا إله الخلق رضوانا |
وأما ما سأل عنه من قول الله سبحانه : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ