وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً) ، وقال : (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) ، والسرابيل والبيوت فالعباد يعملونها ، وقد نسبها الله جل جلاله إليه ، فكذلك أعمالنا هي منا ، وهي فعله فينا.
فجوابنا في ذلك : أنه بخلاف ما قال ، وأنه قد أخطأ في القياس إذ قاس أفعال العباد التي هم فاعلوها ، ومن بعد العدم أوجدوها إلى ما فعلوا فيه من خرز الجلود ، وعمل الحديد ونسج الثياب التي الله تبارك وتعالى خلق أصلها ، وأوجد أولها وصورها. فلما أن كان الله سبحانه الذي أوجد ذلك كله كان هو الجاعل له في أصله والممتن به على جميع خلقه. وأفعال العباد في ذلك فلم يخلقها الله سبحانه ، ولكن الله أوجد ما ذكر من أصولها ، والعباد صنعوا ما صنعوا فيها ، وعملوا ما عملوا منها ، فنسب إليه صنع ما أوجد من هذه الأصول التي قد فرغت وجعلت ونقلت. فبين هذا ، وبين أفعال العباد فرق عند من كان له عقل.
هل رأى أو سمع خلق في شيء من الكتاب المنزل ، أن الله سبحانه ذكر أنه فعل شيئا مما فعلوه من الفجور والردى ، وشرب الخمور ، وارتكاب الهوى؟ بل نسب ذلك كله إلى فاعله ، ونفاه سبحانه عن نفسه.
فإن قالوا : إن الله سبحانه خلق الأدوات التي تكون بها الأفعال في كل الحالات ؛ من الفروج والأيدي والألسن واللهوات ، كما خلق الجلود والقطن والحديد والصوف ؛ فنحن نقول : إذ قد أوجد أصل أفعال العباد ، أن منه أفعالهم ، كما نقول إن السرابيل منه إذ أوجد أصولها.
قلنا لهم في ذلك : ليس هذا كذلك ؛ لأن الله سبحانه أوجد الأصل الذي نقل وصنع وعمل من هذه التي نسبها إليه من الجلود والكرسف (٣٩٦) والصوف والحديد ، والعباد فعلوا الحدث الذي صرفوها به وأحدثوه فيها ، من عملها ونسجها وصناعتها وغزلها بالأكف والأدوات التي جعلت لهم ، والاستطاعة التي ركبت فيهم ، فالتأم في ذلك جلود وأيد وحركات. فكان الله عزوجل الخالق للأيدي والجلود ، وكان العباد الفاعلين
__________________
(٣٩٦) القطن.