ذلك؟ (أو من ذا الذي لم يكن من أضداده قوله لذلك) (٣٩٩) ألا يسمع قول الله سبحانه وتعالى عن كل شأن شأنه فيمن أكرهته قريش على الكفر والعصيان ، ودعته إلى الخروج من الحق والإيمان ، وصالت عليه بصولتها ، وأذاقته ما قدرت عليه من أليم عقوبتها ، حتى أعطاهم ما أرادوا بلسانه وقوله وقلبه مخالف لما لفظ به من مقاله ، مطمئن بالإيمان ، مخالف لدين أهل العصيان ، فقال في ذلك الرحمن : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) [النحل : ١٠٦] ، وكان الذي أكره وقلبه مطمئن بالإيمان عمار بن ياسر (٤٠٠) (رحمة الله عليه) (٤٠١) ، ذو المعرفة بالله والإيمان. فلا يشك مميز عاقل ، ولا ينكر ما قلنا به جاهل ، من أن الخلق يكره بعضهم بعضا على القول والفعل لما لا يحب ويرضى ، وإن (٤٠٢) كان ضمير القلوب مخالفا للكلام ، وهذا فموجود في لغة جميع الأنام ، فأما علم الضمير فلا يطلع عليه إلا الواحد القدير.
ثم قال : إن معنى قوله سبحانه وجل عن كل شأن شأنه : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) ، هو جبر منه لهم على إسلامهم ، وإخراج لهم من
__________________
(٣٩٩) هكذا في الأصل.
(٤٠٠) عمار بن ياسر أبو اليقظان العنسي المذحجي ، من السابقين الأولين المعذبين في الله أشد العذاب ، شهد المشاهد كلها ، وكان مخصوصا منه صلىاللهعليهوآلهوسلم بالبشارة والترحيب ، وقال له : «مرحبا بالطيب المطيب» وقال : «عمار جلدة بين عيني وأنفي» ، وقال : «تقتلك الفئة الباغية» ، وقال : «ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار». استشهد مع أمير المؤمنين عليهالسلام في صفين سنة ٣٧ ه رضوان الله وسلامه عليه ، وكان من خلص أصحابه ومحبيه ، وللتوسع في ترجمته راجع لوامع الأنوار الجزء الثالث ص ١٤٤ لمولانا وحجة عصرنا مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى.
(٤٠١) غير موجودة في (ب).
(٤٠٢) في (ب) : فإن.