إن امرأتك قد فضحتك اليوم في أضيافك. فأتاها فقال : ما الذي حملك على أن تفضحيني في أضيافي ، أقسم لأضربنك مائة ضربة بالعصى.
فلما هم بالذي أقسم به من ضربها ، أتاه الملعون إبليس ، فقال : يا أيوب ، سبحان الله! أيحل لك أن تضرب امرأة ضعيفة ، لم تجرم جرما ولم تأت قبيحا ، ولم تفعل أمرا تستحق به منك ضربا ، وليس لها قوة على ضربة واحدة ، فكيف مائة ضربة ، فلا تهلكها وتأثم بربك في أمرها.
فلما تركها وكف عنها ، أتاه من موضع آخر ، فقال : يا أيوب ، سبحان الله! كيف يحل لك أن تقعد عنها وقد حلفت لتضربنها ، ولا ترجع عن يمينك ، وتأثم بالله ربك. فلما رجع إليها ليضربها أتاه بالوسوسة على مثل الذي أتاه أولا ؛ فلم يزل يفعل كذلك حتى دخله الغم ، وعظم عليه الأمر ؛ فانقلب على ظهره ، وجعل يفكر وينظر ، وخالطه من الوسوسة ما غلبه على أمره.
فلم يزل كذلك حتى تقرح ظهره ، ولزمه المرض العظيم ، واشتد به الأمر ، وتمادت به العلة ، وذهبت ماشيته ، وافترق ماله ، ومات أولاده ، ومرضت المرأة من الغم والحزن.
فلما رأى ذلك من كان معه في المنزل أخرجوه صلى الله عليه إلى ناحية منه على خط الطريق ، وليس يقدر أن يرفع يدا ولا رجلا ، واشتد به البلاء وهو مع ذلك صابر محتسب.
فلما كان يوم من الأيام مضى به نفر ؛ فلما رأوه ونظروا إلى ما هو فيه من عظيم البلاء وشدة النتن ، قالوا : والله لو كان هذا وليا لله لأجابه ولكشف ضره ، ولما أصابه شيء من هذا.
فلما سمع ذلك من قولهم نادى ربه : (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ) [ص : ٤١] فجاز أن يقول : مسني الشيطان ، لما أن كان ذلك من وسوسته وكيده وسببه ، فاستجاب الله له فقال : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ) [ص : ٤٢] ، ولم يقدر أن يرفع يدا ولا رجلا فضرب بعقبه ، فانبثقت عليه عين ففارت وارتفعت ، حتى كانت أكبر من جلسته ، فجعلت تنسكب عليه ، وهو يغتسل بمائها وهي تقلع عنه كل ميت ، وتنفي عنه ما كان به من الأقذار ، وتميط عنه الأذى ، وجعل يشرب منها ويخرج ما في جوفه من العلة ،