فلما أن أبعد الشيخ رقّ عليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ورحمه لما بان له من ضعفه وقلة حيلته وكبر سنه ، فرده رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : لك السدس الآخر.
فلما أن مضى الشيخ وأبعد رده رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثانية ، فقال : إن السدس الثاني مني طعمة لك.
فبين رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما كان منه وبين ما كان من الله ، فلما أن قال : «السدس الثاني طعمة مني» ، علمنا أن السدس الأول حكم من الله ، فبين صلىاللهعليهوآلهوسلم فعله من فعل الله عزوجل ؛ لأن لا يقع على الأمة تخليط في دين الله ، ولأن يبين لها أحكام ربها وفعله ، لكيلا يكون لها عليه في شيء من الدين حجة. وكذلك كان عليهالسلام يفعل في كل ما كان منه من تأديب أمته ، وأفعاله فيها وسياسته لها ، يبين فعله من فعل الله ، ويخبر بما جاء به عن الله.
وكذلك ما كان من فعله وكراهيته من حمل الحمير على الخيل ، وذلك قوله لعلي رحمة الله وصلواته عليهما حين قال : مما تكون هذه البغال؟
فقال : يحمل الحمار على الفرس ، فيخرج من بينهما بغل.
فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون.
أو قال : الذين لا يعقلون. فكره صلىاللهعليهوآلهوسلم أن تحمل الأشكال إلا على أشكالها ، أو أن تخلى الفحول إلا على أمثالها ، فكان هذا منه كراهية واختيارا ، ولم يكن هذا شيئا مما أتاه من الواحد الجبار.
ومثل هذا مما كان من رأيه وفعله ولم يأته في كتاب الله ولا في سنته مما كان يستحبه ويفعله من نوافل صلاته ، وتعبده من بعد الفرائض المفروضات ، لما كان يتعبد من النوافل المعروفات ، اللواتي كن منه اختيارا وعبادة ، يطلب بذلك من الله الفضيلة والزيادة ، كان ذلك منه صلىاللهعليهوآلهوسلم استحسانا لنفسه ، ولم يكن فرضا من الله لا يسع تركه ، ولا يجب على من تركه الكفر بربه ، لأن بين الفرض وغيره من النوافل فرقا بينا ، وفضلا نيرا ، فكثير يعلمه العلماء ، ويفهمه الفهماء ، ليس بلازم واجب على المتعبدين ؛ إذ لم يكن فريضة من الله رب العالمين ، إن أخذ به آخذ فقد أخذ بركة ويمنا ، واتبع فضلا