الشرائع المفهوم ، فكان لعلمه به واستدراكه لغامضه ، وجودة دراسته وإحاطته بباطنه وظاهره ، قاهرا بحول الله وقوته لما يرد عليه من متشابهه ، عارفا بما يحتاج إليه من قياسه ، مضطلعا بتمييز فروعه ، بصيرا بتفريع أموره ، وكل ما ورد عليه من ذلك وارد أصدره باستدراكه له مصدره ، فصعب العلم على كل من كان كذلك سهل يسير ، وغامضه عنده ـ والحمد لله ـ بيّن منير ، لا يشتبه عليه فيه شبهان ، ولا يستوي في الحكم عنده منه ضدان ، يميز مميزاته بعقله ، ويفرق مفترقاته بلبه ، ويجمع متجمعاته بفهمه ، قد أحكمته في ذلك التجربة ، وأعانته على ذلك الخبرة ، فكلما ورد عليه فرع من الفروع رده إلى أصله ، وكلما ورد عليه شيء من المتشابه بينه بالرد له إلى محكمه ، لا يغيب عمن وهبه الله علم كتابه وفهمه معاني سنته موضع حاجته ، ولإمكان فاقته من حلاله وحرامه ، وما يرد عليه من مفترق القضاء عند ورود مزدحمات المسائل على قلبه ، ومتراكمات النوازل على فهمه ، فكلما ورد عليه من ذلك وارد فادح ، أو قدح في قلبه منه عظيم قادح ، اعتمد في فصله وقطع مشتبهات أمره على الأصول المحكمات في قلبه ، والفروع المتفرعات في صدره من الكتاب والسنة ، فأنار له بعون الله وفضله نور الحق وصدقه ، ووضح له برهان الحكم وحقه ، فقال في ذلك بقول أصيل ، واستدل منه على الحق بأفضل دليل ، فمثله فيما يرد عليه من الفروع والفصول ، مما يحتاج إلى قياسه على الأصول ، كمثل الرجل اتخذ أرضا ، فجعل في كل جانب منها نوعا من أنواع الأشجار ، ثم غذاها وسقاها ، وقام عليها وذراها ، حتى ثبتت أصولها ، وتفرعت فروعها ، وخرجت ثمارها ؛ فهو بأماكن كل نوع منها عارف وفهم ، عالم غير جاهل ، فكلما سئل عن شجرة ، أو طلب منه من ثمارها ثمرة ، قصد لموضع تلك الشجرة ، فأخذ ما يحتاج إليه من ثمرها ، فأسرع به إلى طالبها ، ولم يحتج لمعرفته بموضع حاجته إلى الدوران في جوانب أرضه ، والتفتيش عن حاجة سائله ، كما يعمل الجاهل بمواضع تلك الأشجار ، وأماكن تلك الثمار.
فالعالم في علمه ، وعند قياسه وحكمه ، والمعرفة بما يرد عليه من شرائع دينه ، كصاحب هذه الأرض المهتدى ، إلى ما يطلب منها ، العالم بمواضع ثمارها ، الخابر