يقصروا في طلب ثار الإسلام ولم يغفلوا ، نصحوا (٤٨٧) المسلمين ، واحبوا المؤمنين ، وقتلوا الفاسقين ، ونابذوا العاصين ، وبينوا حجج رب العالمين على جميع المربوبين ، (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال : ٤٢].
عملوا فجوزوا ، ونصحوا فقبلوا ، وتقربوا من الله فقربوا ، وأخلصوا لله سبحانه الديانة فأخلص لهم المحبة ، طلبوا منه التوفيق فوفقهم ، وسألوه التسديد فسددهم ، وقاموا له بأمره فأرشدهم ، واهتدوا إلى قبول أمره فزادهم هدى ، وضاعف لهم كل خير وتقوى ، كما قال جل جلاله ، عن أن يحويه قول أو يناله : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) [محمد : ١٧].
قصدوا الحق فأرشدوا له ، وائتموا بالصدق فعملوا به ، فوجبت لهم حقائق التوفيق ، ونالتهم من الله موقظات التحقيق ، وقصدتهم منه سبحانه قواصد النعمة ، وشملتهم بفضله سبحانه شوامل الحكمة ، فنطقوا بالبيان في قولهم ، وحكموا بالحق في حكمهم ، واهتدوا بالله سبحانه في أمرهم ، وثبتوا بزيادة هدى الله على الحق الفاصل ، وتناولوا شكائم العلم الفاضل ، فنالوا بعطاء الله الأكبر ما لم ينل غيرهم ، وقدروا على ما عجز عنه سواهم ، فحكموا باختيار الله لهم وتوفيقه ، وإرشاده لهم وتسديده في كل نازلة بالصواب ، وبعد عنهم فيها كل شك وارتياب ، فكان علمهم ـ لما ذكرنا ، من اختيار الله لهم واصطفائه إياهم ، ورضاه باستخلافهم في أرضه ، واسترعائه لما استرعاهم من بريته ـ علما جليلا (٤٨٨) ، وكان قياسهم قياسا ثابتا أصيلا ، إذ هم وأبوهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصل كل دين ، وعماد كل يقين ، ومنه صلوات الله عليه تفرعت العلوم المعلومة ، وثبتت أصول الأحكام المفهومة ، ومنه ومن ذريته نيلت العلوم الفاضلة ، وبلغت الأصول الفاصلة فمن علمهم صلوات الله عليهم تفرعت الأحكام ، ومن بحر فهمهم استقى جميع الأنام. فهم أصل الدين ، وشرائع الحق المستبين ، فكل علم نيل أو كسب فمن فضل علمهم
__________________
(٤٨٧) في (ب) : ناصحوا.
(٤٨٨) في (ب) : جليا.