منابذته في العداوة والاستخفاف به ، والاستهانة بكل أمره ، لا يسعهم غيره ، ولا يجوز لهم فيه سواه. ألا تسمع كيف يقول العزيز الكريم فيما نزل على نبيه من القرآن العظيم إذ يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التوبة : ٣٨ ـ ٣٩].
ومن الدليل على ما قلنا به ، من هلاك من تخلف من دعوة الحق ، أو تثاقل عن إجابة محق ، قول الله سبحانه لرسوله : (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ) [التوبة : ٨٣ ـ ٨٤] ، فأمر الرسول بالرفض لهم ، ولم يأذن في الخروج لهم ثانية أخرى ، عقابا عن التخلف عنه والتربص به ، وحرمهم الخروج وسهام الغنائم ، إذ السهام لا تقع إلا لمن حامى عليها ، ولا تقسم إلا لمن كان حاضرا لها ، وحرمهم ولاية الرسول وتوليته ، وأوجب عليهم العداوة لهم. وبأقل من ذلك ما يقول الله سبحانه : (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) [الفتح : ١٥] ، يريد بقوله : (قالَ اللهُ) أي : حكم الله عليكم ، وأمرنا به فيكم. وفيما ذكرنا من هلاك المخلفين عن دعوة الحق والمحقين ما يقول أصدق الصادقين فيمن قال لإخوانه وتأخر : لا تنفروا في الحر. فقال جل جلاله عن يحويه قوله ويناله : (وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) [التوبة : ١٨٠] ، وكفى في إهلاك الله وإخزائه للمتخلفين عن الحق والمحقين ما يقول لنبيه محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ) [التوبة : ٨٤] ، فنهى رسوله عن الصلاة عليهم ، والوقوف على قبورهم ، وحرم عليه الاستغفار لهم ، ولم ينه عن ذلك إلا في غوي هالك عنده معذب شقي.
ثم أخبر أن المرتابين الذين هم في ريبهم يترددون ، والتردد فهو الشك ، والشك فلا