إلا ما كان على جدي من قبلى محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم الرسول الأمين من التبليغ والاجتهاد في الدين ، (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ). فرحم الله من نظر في أمره ، وقاس شبره بفتره ، فقد أسفر الحق عن وجهه قناعه ، ونادى بأعلى صوته أتباعه ، وقامت الحجة للرحمن على كل من خلق من الإنسان ، (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) ، ولا دون المعتدل إلا المائل ، ولا بعد الجدة والشدة والقوة والشباب إلا الضعف والانبتات والزوال والذهاب ، ولا بعد دار الدنيا الفانية إلا الآخرة الدائمة الباقية ، وما بعد العمر إلا انقطاع الأجل ، وما بعد الموت إلا البلاء والامحاق ، ولا بعد الامحاق إلا يوم التلاق ، (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) [آل عمران : ٣٠] ، ذلك يوم وقوع الجزاء على ما تقدم من العمل في الدنيا ، فيفوز المحقون بأعمالهم ، ويخسر المبطلون ، ويهلك المسرفون بأفعالهم ، (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) [الفرقان : ٢٣] ، (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [الأنعام : ١٦٠] ذلك يوم الحسرة والندامة ، وطلب الإقالة حين لا إقالة ، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة : ٧ ـ ٨] ، ذلك يوم تشخص فيه الأبصار ، وتظهر فيه الأسرار ، ويحكم فيه بالحق الجبار ، (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ) [الشعراء : ٨٨ ـ ٩١] ، وهم يصطرخون فيها نادمين ، يقولون : (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ) [المؤمنون : ١٠٧] فيقول لهم الجبار : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) [المؤمنون : ١٠٨] ، فيطلبون حينئذ الرجوع إلى ما كانوا فيه من الفناء ، ويتمنون الموت والبلى ، ويقولون : (يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) [الزخرف : ٧٧] ، فحينئذ تقطع قلوبهم حسرات ، وتراكم (٥٠٣) عليهم الغموم والندامات على ما فرطوا فيه من العمل بما أمر هم الله به ، والقيام بأكبر فرائضه ، من الجهاد في سبيله ، والمعاداة لأعدائه ، والموالاة لأوليائه.
__________________
(٥٠٣) في (ج) : وتتراكم.