من النقص والخذلان والضلال والنقصان. فهم كل يوم يرذلون ، وكل شهر ينقصون ، وكل عام يفتنون ، وقد تلعبت بهم عبيدهم ، واجترأت عليهم ساستهم ، فصاروا يسومونهم سوء (٥٠٩) العذاب ، يقتلون من شاءوا منهم ، ويقيمون من أرادوا منهم. يجبون الأموال لأنفسهم ، وقد تسلط عليهم شرارهم وأعوانهم وعبدانهم ، فلا مال عندهم ولا رجال في جوارهم ، ولا أمر ولا نهي لهم ، ليس في أيديهم ولا لهم بلد يجوز فيه أمرهم غير بعض القرى قد أحل فيهم الأعراب واستباحت ما قدرت عليه من رعيتهم ، ينهبون حواشيهم ، ويخيفون سبيلهم ، ويقطعون طريقهم ، لا يقدرون على نفيهم وإبعادهم ، ولا ينالون ما يشتهون من إذلالهم ، بل هم الأذلاء الأقلاء ، الفساق الضعفة. أشداء على الرعية والمساكين ، أذلاء من الأقوياء والمحاربين ، يخيفون ويأكلون من تحت أيديهم ، ويدارون من نابذهم وتسلط عليهم. قد انهدم عزهم ، وانحرقت مهابتهم ، وفتكت بهم كلابهم ، وقهرهم أشرارهم ، وحكم عليهم عبدانهم ، وقلت وانتفت من أيديهم الأموال ، وتفرقت عساكرهم والرجال ، زهدا من الرجال فيهم ، ورغبة في خير من يجزل عليهم. قد مال عمود ملكهم ، وانهدم باب عزهم ، وتغير أساس أمرهم ، وأعطت خلافتهم صاغرة قيادها ، وزمت إلى من قادها بزمامها ، وألقت إليه بسمعها وطاعتها ، وذل لطالبها صعبها ، ولان لراكبها مركبها ، وذل له بعد الصعوبة ظهرها ، وبرزت له من بعد شدة حجابها ، واستقامت له وأضرعت لدنو نتاجها ، ودرت لحالبها بدرة تسر الحالبين ، وتنهل الشاربين ، ويعلّ فيها العالّون ، وينتعش ويشبع في أقواتها الجائعون. فهي حافل تسحب رجليها مما تدر ، ولكن لا حالب لدرتها ، ولا منتهز لفرصتها ، لقلة المحقين ، وذهاب المؤمنين ، وذلة المسلمين ، وركون هذا الخلق إلى الفسق ، وتركهم لاتباع دعوة الحق ، وتعلقهم بالفاني من أمر الدنيا ، وزهدهم فيما يدوم من الآخرة ويبقى ، كأن لم يسمعوا الله سبحانه يقول : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ) [العنكبوت : ٥٧] ، وكأن لم يسمعوا ما أخبرهم به عنهم من عاقبة أمرهم ، وقوله لهم في يوم حشرهم حين يقول : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ
__________________
(٥٠٩) زيادة من (ج).