فإن قال قائل : بل يخليهم يقتلوا قبل أن يأخذ منهم يسيرا يحييهم (٥٢٥) به ، فقد أساء في القول ، وجار في الحكم ، وخالف الحق ؛ لأن الله سبحانه يقول في كتابه : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) [المائدة : ٢] ، ومن فعل ذلك فقد أعان على الإثم والعدوان ، وترك المعونة على البر والتقوى.
وإن قال : بل الواجب عليّ أن آخذ منهم ما أدفع به عنهم أحبوا أم كرهوا ، وأقيم فرض الله علي فيما يلزم للمسلم على المسلم ، ولا أنظر إلى (٥٢٦) قولهم إذا أبوا النظر لأنفسهم ، واستدعوا الهلكة إليها ، إذ كنت مقلدا لأمرهم بنفاذ حكمي عليهم ، فقد أصاب في قوله واحتذى ، وسلك الطريقة المثلى ، فهذه حجة أخرى.
ومن الحجة في ذلك على من أنكره وقال بغيره ورفضه ، أن يقال له : خبرنا عنك لو سرت في قافلة من قوافل المسلمين ، وأمرك فيهم نافذ ، فوجدت في بعض الطريق قوما قد قطع بهم ، وأخذ ما معهم ، وتركوا مطرحين (٥٢٧) جياعا عطاشا عراة ، لا يطيقون مشيا. إن تركتهم ماتوا ، وإن حملتهم نجوا ، وإن أطعمتهم وسقيتهم حيوا ، أليس كان الواجب عليك في حكم الله أن تأخذ لهم من أهل الرفقة قوتا يحييهم ، وتلزمهم لهم (٥٢٨) المعاقبة على رواحلهم ، حتى يلحقوا بالقرى والمناهل ، أو لا تأخذ لهم منهم قوتا ولا ماء ، ولا مركبا ، فيموتوا كلهم ويهلكوا بأجمعهم؟
فإن قال قائل : بل أتركهم يموتون ، فقد شرك في قتلهم ، وقال بالمنكر من القول فيهم الذي ينكره عليه الجهال فضلا عن العلماء من الرجال ، وإن قال بل أحمل أهل القافلة على أن يواسوهم بما لا يضرهم في الطعام والشراب ، والمعاقبة على الركاب ، فقد قال بحق من المقال ، وانتحل صوابا من الفعال ، وأدّى حقوق الله وحقوق المسلمين ، ونجا من قتل
__________________
(٥٢٥) في (ب) : يحميهم في.
(٥٢٦) في (ب) : في : في.
(٥٢٧) في (ب) : مطروحين.
(٥٢٨) سقط (لهم) من (ج).